13 ديسمبر 2025
تسجيلألقى حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى خطاباً شاملاً ودقيقاً عشية افتتاحه للدورة الـ35 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. ولقد اتسم الخطاب بالموضوعية والدقة والصراحة، بعيداً عن الإنشائيات التي عادة ما تطفو في مثل هذه اللقاءات.وشدد سموه على وحدة الصف الخليجي والارتقاء بالعمل المشترك إلى مستوى الطموح، مشيراً إلى المرحلة الجديدة التي ترتكز على تعزيز روح التآخي والتضامن، مؤكداً على دور دولة قطر – كما هو عهدها في السابق – كمساهم فعال في تعميق العلاقات الخليجية وتعزيز التعاون والتكامل في جميع المجالات. وهذا التأكيد، بلا شك، قطعَ الطريق على كل "المقامرين" الذين راهنوا على انفراط عقد التعاون، أو عدم عقد القمة في الدوحة، ذلك أنهم يقرأون صحائفهم في الظلام، ويتسرعون دونما تروٍ في قراءة الأوراق السياسية، ويقومون بتسميم الأجواء الخليجية. ولقد نادى العقلاء من أبناء الخليج بعدم الزج بالعلاقات الأسرية والصداقات فيما بين أبناء الخليج في الاختلافات السياسية التي لها من يحلها بالطرق المناسبة. وهذا ما أشار إليه سمو الأمير بوضوح ودقة عندما دعا إلى عدم (التسرع في تحويل الخلاف في الاجتهادات السياسية إلى خلافات تمس قطاعات اجتماعية واقتصادية وإعلامية). وفعلاً يعتبر هذا النص توجيهاً مهماً لكل الذين حاولوا شق الصف الخليجي خلال الفترة الماضية من هذا العام، إثر تباينات في وجهات النظر بين الدول الخليجية – حيث انتهت ولله الحمد – في لقاء الرياض قبل فترة وجيزة من عقد قمة الدوحة، وعاد سفراء كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين إلى الدوحة. إن التطاول على الثوابث التي تجمع شعوب الخليج أمر غير مُستحب ولا يؤيده العقلاء، ومن ثم فإن الوطنية يجب أن تؤسس على العقل لا العاطفة، كما أن حُب الأوطان لا يعني عزلها عن محيطها التاريخي والجغرافي ومصيرها المشترك، بل ولا يجوز التأثير على الشعوب، خصوصاً ما دار عبر أدوات التواصل الاجتماعي بين بعض أبناء الخليج، فيما ما لا يفيد.الملمح الآخر والصريح الذي جاء في خطاب سمو الأمير هو الموقف الواضح من مشروع الاتحاد الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، عاهل المملكة العربية السعودية، بتحويل المجلس من مرحلة التعاون إلى الاتحاد. فقد أوضح سمو الأمير أن الاتحاد سيبقى هدفاً سامياً، ولكن لضمان نجاح الاتحاد، دعا سموه إلى "التحرك بخطوات تدريجية قائمة على تكامل المصالح الاقتصادية والعلاقات الاجتماعية والثقافية بين شعوبنا".وفي واقع الأمر، فإن خطوات التكامل الاقتصادي – من خلال مرحلة التعاون خلال 34 عاماً – لم تستكمل بعد، كما أن التشريعات المحلية في دول التعاون غير متماثلة، ناهيك عن نمط الإدارة والشكل السياسي القائم في هذه الدول، وحجم الحريات العامة، وتعدد الاتفاقيات الدولية التي وقعتها دول، بينما لم توقعها دول أخرى، وكذلك التناظر السياسي في العلاقات الدبلوماسية على المستوى العربي والدولي. فإذا كانت هذه الظروف مازالت قائمة، فكيف يمكن القفز من مرحلة التعاون إلى الاتحاد؟! ولقد أيد هذا الموقف سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت، داعياً إلى تشكيل لجنة متخصصة لدراسة هذا الأمر.موضوع الإرهاب، لا شك، كان حاضراً في قمة التعاون، وفي خطاب سمو الأمير، حيث دعا سموه إلى مواجهة الإرهاب، مشيراً إلى أنه يستهدف فئة الشباب الذين ينجذبون إليه، ودعا إلى معالجة أسبابه، ذلك أن هذه الفئة – التي تحاول الدول أن تنشئها نشأة سليمة لقيادة المجتمع في المستقبل – يسهل التأثير عليها من خلال الترغيب أو الترهيب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو "زيف" المكافأة والوعود البراقة التي ينشرها "دهاقنة" الإرهاب عبر إلصاقه بالدين الإسلامي والإسلام منه بريء.إن التحصين وتقليل مساحة الانتشار لأشكال الإرهاب ووسائله يقع على الأسرة والمدرسة والجامعة والدولة معاً، ولابد من وجود خطة تعليمية - إعلامية تفتح آفاق الشباب وتوضح لهم زيف الدعاوى التي ينشرها "مُصدرو الكراهية" في العالم العربي والإسلامي إلى الشباب. الوضع المأساوي في فلسطين كان له مكان في خطاب سمو الأمير، خصوصاً الممارسات الإسرائيلية والاعتداءات على حرمة المسجد الأقصى وتدنيس مرافقه المقدسة، وكذلك الأعمال القمعية ضد الشعب الفلسطيني، حيث دعا سمو الأمير العالمين العربي والإسلامي إلى "اتخاذ وقفة جادة وقوية للدفاع عن مقدسات الأمة، لاسيَّما في القدس"، موضحاً ضرورة تقديم العون للشعب الفلسطيني كي يتمكن من مواجهة الاعتداءات المتكررة عليه من قبل السلطات الإسرائيلية. كما تناول سموه الأوضاع في بعض الدول العربية، مثل ليبيا واليمن والعراق وسوريا، وضرورة مساعدة تلك الدول كي تخرج من أزماتها. موضوع الأمن في الخليج، وهو أمر تجلى جداً في اجتماعات وزراء الداخلية ووزراء الدفاع الذين رفعوا توصياتهم إلى القادة في قمة الدوحة، سواء كان ذلك ملف الجيش الخليجي المشترك وإنشاء قوة بحرية مشتركة ومركزها الرياض، أم الشرطة الخليجية الموحدة ومقرها أبو ظبي. وقد وجه المجلس الأعلى بـ"تكثيف الجهود وتسريعها لتحقيق التكامل الدفاعي المنشود بين دول المجلس في جميع المجالات، وما يتطلبه ذلك من إجراءات ودراسات". وعلى اتصال بأمن الخليج أكد سمو الأمير على "موقفنا الثابت بضرورة التوصل إلى حل الخلافات بالطرق السلمية وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل"، في إشارة إلى اتفاق (5+1) المتعلق بالملف النووي الإيراني. وفي ذات الوقت دعا سموه إلى "ضرورة الحفاظ على علاقات التعاون وحسن الجوار مع الدول الشقيقة والصديقة التي تقع خارج منظومتنا".خطاب شامل ودقيق وصريح من قبل سموه، كاشفَ فيه إخوانه قادة دول مجلس التعاون بروح من المسؤولية والمحبة. نأمل أن يكون هذا الخطاب خارطة طريق لقيادة دولتنا العزيزة لمجلس التعاون في الدورة الجديدة ويتحقق فيها ما تصبو إليه شعوب الخليج من تآخٍ وتنمية وأمن ورخاء.