21 سبتمبر 2025
تسجيلليس لك إلا الله أيها الشعب السوري الثائر، فتوكل عليه وحده واحزم أمرك دون انتظار أحد، وامض قدما في حراكك الشعبي السلمي وتطوير أدواتك النضالية، والإبداع فيها، معتمدا على نفسك حتى يتحقق لك ما تريد من نيل الحرية واسترداد الكرامة والانتصار على الظلم والظالمين. لا تنتظر شيئا من الشرق أو الغرب، لا تعول كثيرا على العرب أو العجم، أو على الأقربين أو الأبعدين، فلكلٍ حساباته وأجنداته ومصالحه، التي يحسبها حسابا دقيقا، ويفكر فيها ألف مرة، إزاء هذا النظام رغم كراهيته الشديدة له، دون أن يقدّر حجم فاتورة الدم اليومية التي تدفعها أنت على يد نظام ديكتاتوري، على استعداد لحرق الأخضر واليابس ليبقى جاثما على صدرك. لقد أتممت تسعة أشهر من ثورتك المباركة التي فاجأت بها النظام، وحتى المعارضة وأدهشت بها العالم، فماذا قدم لك العالم لدعمك ومآزرتك ـ كواجب أخوي أو أخلاقي ـ سوى التصريحات والإدانات الكلامية لتصرفات النظام ومجازره الوحشية، وعقوبات اقتصادية شكلية ـ غير شكلية ـ لا تقدِّم ولا تؤخر. جامعة عربية ثبت أنها لا تجيد إلا " منح المهل" لنظام يراهن على عامل الوقت، على كل ساعة إضافية لسحق ثورتك، حتى وإن أزهق أرواح العشرات من المدنيين العزّل يوميا، ويبدو أن مبادرتها عمليا قد جمّدت أو ميّعت أو حفظت في الأدراج.. وجوار يقدّم رجلا ويؤخّر أخرى، فتركيا التي سمعنا كثيرا عن تهديداتها القوية للنظام ورأس هرمه، و"خطوطها الحمر"، وإمكانية إقامتها لـ " منطقة عازلة" يؤسفنا أن نقول إنه يصدق قول المثل فيها: "أرى جعجعة ولا أرى طحنا"، والأردن يريد أن يستثني أمورا من العقوبات الاقتصادية حتى لا يتضرر اقتصاده، والعراق الذي يزاود على ثورة شعب حرّ بدعوى الخشية من عواقب تدخل عسكري غربي أو حرب أهلية طائفية رغم أن أغلب من يتشدقون بهذا الكلام ويبدون هذا الحرص الكاذب من مسؤوليه جاءوا على ظهور دبابات أمريكية ومارسوا اللعبة الطائفية بأبشع صورها، وفوق هذا وذاك يريدون إنقاذ النظام من خلال العمل كعرّابين لصالحه، ويعملون للخروج بمبادرة عربية تناسب مقاسه، بعد أن رفض مبادرة الجامعة العربية التي ستفضح جرائمه بمجرد دخول مراقبين ووسائل إعلام من دول عربية ومنظمات ومؤسسات حقوقية دولية محايدة. أما الغرب فلا شيء يُغريه على ما يبدو للتدخل في سوريا لحماية المدنيين كما النفط في ليبيا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه مازال يصغي لرغبات حليفته إسرائيل التي لا ترغب بتغيير في سوريا لا يحفظ لها أمن حدودها، كما يحفظه هذا النظام ـ وحفظه لها ـ طيلة أربعين عاما، بل وتحذّر من مغبة سقوطه علنا، وبخاصة عندما رأت أن صناديق الانتخابات الحرة النزيهة في الدول المجاورة وغير المجاورة لها أوصلت قوى إسلامية ووطنية للحكم، تخشى من قرارها المستقل، سواء على أمنها القومي أو اتفاقيات التسوية التي وقعتها معها، بل وتخشى على وجودها ومستقبلها بصورة كاملة من منظور إستراتيجي بعيد المدى، طالما أن هذه الشعوب المنتفضة قد تحررت من قبضة أنظمة خائفة جبانة قدّمت ـ وما زال بعضها يقدّم ـ كل فواتير التبعية والمذلّة لها وللغرب ثمنا لبقائها على الكرسي. وحتى أحزاب المعارضة فإنها ما زالت منقسمة على نفسها، ويزاود بعضها على بعض باسم الداخل والخارج، ورغم كل حجم الضحايا لم تستطع توحيد صفوفها حتى الآن رغم الحاجة لذلك، من أجل الاعتراف بها دوليا كممثل للشعب السوري ونزع الغطاء عن النظام في المحافل الدولية وممارسة مزيد الضغوط عليه، وتوحيد رؤيتها خصوصا ما يتعلق منها بحماية المدنيين ودعم حراك ثورتهم المجيدة. وعودا على بدء، فقد تابعنا بكثير من الاحترام والتقدير خطوتكم بتنظيم "إضراب الكرامة"، والذي يعتبر خطوة نحو الأمام على طريق التغيير المبارك، وصولا إلى حالة العصيان المدني، وقد كان واضحا أن بداياته أغاظت النظام لما حققه من تجاوب شعبي على مستوى الطلاب والموظفين والتجار حتى في محافظات عرف عنها ضعف حراكها كحلب.. مما اضطره للتدخل في محاولة لكسره (تكسير إقفال المحلات في بعض المناطق أو حرقها) والتهديد والوعيد لمن يلتزم به، كما سرّنا تطور الأداء الإعلامي من خلال النقل المباشر وظهور الناطقين الإعلاميين للثورة على القنوات الفضائية بالصوت والصورة، ومخاطبة الناشطين للوقفات الاحتجاجية عن بعد (كما فعلت المناضلة سهير الأتاسي عندما خاطبت المتظاهرين في حمص مباشرة)، لأن تطور هذا السلاح الفعال من شأنه كشف جرائم النظام التي يحرص بكل ما يستطيع حجبها، كما يحرص في الوقت نفسه على إظهار محدودية الحراك الاحتجاجي السلمي الشعبي وتقزيم فعله وأثره. وإن من كلمة لا بدّ من قولها فهي أن سوريا الآن في لحظة حاسمة فاصلة من تاريخها، وبالتالي فإنه لا عذر لمتقاعس أو متباطئ أو متثاقل داخل الوطن وخارجه عن نصرة شعبها المنتفض الثائر بعد تسعة أشهر من تحركه. المعوّل ـ بعد الله ـ على الشعوب في النصرة ـ لا على الأنظمة ـ كما أثبتت التجربة.. وعلى الصامتين أو المترددين من أبناء مراكز المدن الكبيرة كحلب ودمشق أن يغيروا من مواقفهم لتتغير المعادلة على الأرض بإذن الله، كما أنّ على الشعوب العربية من علماء وفعاليات نقابية وحقوقية وتحركات جماهيرية.. أن يكونوا جنبا إلى جنب إخوانهم المظلومين لأن تغيير هذا النظام السوري الدموي المستبد ليس خيرا لأهل سوريا فحسب، بل خير لبلاد الشام ولجيرانه من الدول الأخرى، ولشعوب المنطقة والعكس صحيح.. فأروا الله من أنفسكم خيرا، "وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون".