12 سبتمبر 2025
تسجيلبفضل من الله وبركته استطاعت أم راشد العثور على زوجة المستقبل المناسبة لابنها "وحشاشة يوفها" وفلذة كبدها "راشد ولد بوراشد"، فهو الابن الأكبر والبكر والتي طالما حلمت بيوم زواجه، وكباقي الأمهات في مرحلة البحث عن الفتاة العاقلة والمؤدبة والخلوقة والمطيعة وذات الحسب والنسب لابنها، فقط جندت أم راشد جميع من تعرف وشكلت منظومة استخباراتية متطورة ودقيقة قادرة على جمع المعلومات الدقيقة والاستثنائية وتمتلك مهارات التدقيق والتحليل والمعالجة الدقيقة للبيانات الكمية والنوعية والتي تعجز وكالة الاستخبارات الأمريكية أو وكالة الاستخبارات الإسرائيلية الموساد من أن تضاهي عملها. وبعد انتهاء المراحل الأولى من مسيرة الزواج والتي تلخصت في البحث والاتفاق بين راشد وأمه على زوجة المستقبل ومن ثم مباركة وموافقة أبي راشد "والتي تعتبر تحصيل حاصل في بعض الأوقات"، وصل الجميع الى المرحلة النهائية وهي ترتيبات "العرس السعيد" والتي تبدأ منها قصة مقال هذا الأسبوع. بوراشد موظف في احدى الدوائر الحكومية على الدرجة الثالثة يكافح من أجل توفير الحياة الكريمة والعيش الرغد لأسرته، فهو يعمل بجد واجتهاد دون كلل أو ملل، أما الابن "الفلتة" راشد والحاصل على شهادة جامعية بتقدير جيد فقد استطاع ان يجد وظيفة في وقت قياسي بعد 20 شهرا من تخرجه، ونصل لأم راشد والتي تعمل مدرسة وربة منزل. جلس الثلاثة راشد وأمه وأبوه يناقشون ترتيبات الزواج "المينون" عفوا الميمون، فقالت أم راشد موجهةً الكلام لزوجها العزيز "كم بتعطون الجماعة مهر، لأنهم ماتكلموا فيه وحطوكم في الشيمه (أي تركوا هذا الأمر لشيمتكم وكرمكم)" ثم تابعت أم راشد كلامها فقالت "اخت العروس تزوجت العام وكان مهرها 200 الف، واحنا مب أقل من نسباهم لازم نعطيهم اقل شي ثلاثمية الف"، التفت بوراشد الى زوجته وقال "الله يهداج يا ام راشد نعطيهم ميتين (أي مئتين الف) نفس نسباهم لا تنسين ان ورانا تكاليف شكثر"، لم يعجب هذا الكلام ام راشد فقررت ان تستخدم جميع أسلحتها الفتاكة في مثل هذه المواقف فقالت بنبرة تعلوها الحزن وأداء دراماتيكي تعجز عن أدائه سيدة الأداء التراجيدي الفنانة أمينة رزق " اللحين انت مستخسر في ولدك انه يرفع راسه قدام انسباه، هذا اول فرحتي ولا تبيني افرح فيه مثل باقي الأمهات، اذا في المهر تقول جذيه عيل شبتقول عن باقي مصاريف ليلة الخطوبة والدزه والحنا وقاعة العرس وترتيباته من كوشة ودي جي وعشا النسوان وهدية الصباحية وحجز الفندق لنا ليلة قبل وبعد، ما ادري تصر (أي تدخر) الفلوس لمن" وقامت ام راشد وعيونها تسيل بدموع يعجز سد النهضة الاثيوبي عن إيقافها. هرع الابن راشد وراء امه وأخذ يقبل رأسها ويقول لها "الله يهداج يا يمه ابوي ما يقصد وان شاء الله مايصير خاطرج الا طيب" وأخذ في تهدئتها، والتفت الى أبيه وقال " يبه (أي يا ابتي) انا باخذ قرض وبدفع اللي بقدر عليه، وجعل عمرك طويل انت منت بمقصر"، رضخ بوراشد للأمر الواقع كالعادة، ورافق ابنه بعد يومين للبنك واقترض الاثنان مبلغاً كبيرا من المال لسداد تكاليف زواج "حشاشة يوف" ام راشد. والان وبعد مرور عشر سنوات على زواج "راشد ولد ابوراشد"، رزق راشد بأربعة أطفال يملؤون عليه حياته فرحة وسرور، ولكنه لا زال يسدد في القرض الذي من المتوقع ان يسدده بالكامل عام 2030، اما الاب بوراشد فقد تقاعد وتم إعادة جدولة قرضه لمدة عشر سنوات أخرى وهو يعاني من مرض السكري وضغط الدم واعتلال في عضلة القلب اليسرى وصداع مزمن وفقد 70 في المائة من قدرته على السمع، اما ام راشد فلازالت تتمتع بكامل قواها البدنية والعقلية. وختاما أقول: إن ظاهرة "المهايط" أي التباهي والتفاخر في حفلات الزواج أدت الى ارتفاع تكاليفها بشكل يتعدى قدرة العقل البشري في استيعابها، فهل من المعقول ان تبلغ قيمة تكاليف حفل الزواج للنساء ضعفين او اكثر من قيمة المهر المدفوع، وهل من المعقول ان يبدأ العريس حياته الزوجية مثقلا كاهله بالديون والاقساط التي سوف ترافقه لفترة طويلة من الزمن. قال تعالى ﴿والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما﴾ [الفرقان: 67]. يقول ابن كثير في تفسيره، أي ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارا، وخير الأمور أوسطها لا هذا ولا هذا. @drAliAlnaimi