17 سبتمبر 2025
تسجيلتنطلق مجتمعاتنا من فرضية ثبات الهوية ورسوخها وتكورها بشكل يجعلها تخترق الزمن دون الاحساس بدوره في التجدد والتطور، ولي هنا بعض الملاحظات أود لو أطرحها: أولا: الخوف على الهوية ليس هو اللعب بالهوية، الخوف على الهوية هو شعور المجتمع، بينما اللعب على سلم الهوية هو ديدن السلطة العربية لتزداد تمكنا وتجذرا في داخل احشاء المجتمع. ثانيا: اشكاليتنا التاريخية هي في تصورنا أن الهوية معطى ماضوي وما على الاجيال سوى الدفاع عنها وعن شكلها المكتمل الموروث. ثالثا: لا يتقدم المجتمع اطلاقا ما لم تكن هويته أمامه وليست خلفه. ليست هناك هوية خلف المجتمع، هناك تاريخ له سمات وتراث له مميزات يبنى عليها ويراكم حولها من خلال المرور خلال الزمن. الهوية الاسلامية هي اختراق للزمن وليست ثباتا بحكم صلاحيتها لكل زمان ومكان، وهويتنا العربية هي جزء من الهوية الانسانية في امتداد للانسان بصفته مشروعا وليس بصفته تميزا عن غيره من البشر. رابعا: فزعنا عندما دعت جامعة جورج تاون الشاعر "أدونيس" خوفا على الهوية، وقبل ذلك عندما دعت جامعة قطر "بدرية البشر" خوفا على المجتمع. انطلقنا من تصور ماضوي للهوية المكتملة وليس من تصور مستقبلي يجعل منها امكانية للتطور والبحث والاستماع للجديد دون خوف أو وجل، حددنا أعداءها مسبقا وصنفنا لائحة المتهمين والخطرين عليها أزلا. خامسا: أكثر المفاهيم تداولا في حياتنا اليومية هو مفهوم "الحوار" وابعد المفاهيم تحققا هو نفسه، لأن الحوار لا يكون في الماضي وعن الماضي، عندما نشعر باكتمال هويتنا وتحصنها، فكل ما ينتج عنها هو بالضرورة مكتمل وتام في الماضي. سادسا: ما نعايشه اليوم من مآس وكوارث دليل دامغ على ما أقول، أي حوار يقام اليوم بين فصائل الطيف الاسلامي المتقاتل مع بعضه البعض، هل هو حوار عن المستقبل أم صراع على الماضي؟، أي حوار نعيشه اليوم بين الشعوب والانظمة، هل هو حوار باتجاه صنع هوية جديدة تناسب وتتماشى مع العصر، أم إعادة للتاريخ تحت مسميات جديدة مفرغة من محتواها؟. سابعا: هناك ارتباط بين ثروة المجتمع ونظرته للهوية، نظرة المجتمع للهوية بأنها ماضٍ مكتمل يجب الحفاظ عليه، يصرف الثروة باتجاه الماضي الموروث سواء كان تاريخا أو بشرا، المجتمعات المتقدمة ثروتها جزء من هويتها المستقبلية، فهل بانتظار المستقبل وتغيراته، فمفهوم التضحية لديها له ارتباط دنيوي، بينما لدى اصحاب الهوية المنجزة له ارتباط ديني بحت الى حد كبير. ثامنا: مأزق الهوية هو نفسه مأزق الدولة، الهوية العربية والاسلامية في مأزق لأن الدولة العربية والاسلامية اصلا في مأزق المشروعية المستقبلية، لأنها شكل من اشكال الماضي المقيم. تاسعاً: الهوية التوافقية هوية سياسية، وليست دينية، هي هوية مستقبلية تستمع للآخر دون فزع، وتحاور المختلف دون خوف فلذلك تتطور ويتطور معها المجتمع، الخوف والرفض والاستنكار المسبق تدل على أن المجتمع لم يدخل بعد عصر السياسة ويعيش على ميكانزمات الدفاع والفزعة، فهو يرتاح ويستريح لاستماع ما يريده لا ما قد ينفعه مثلا، لذلك ترى افراده يهرولون جريا للاستماع لما هو معلوم لديهم بالضرورة، فالتأكيد هنا بقدر ما يمثله من راحة بقدر ما يمثله من ثبات مذموم. [email protected]