17 سبتمبر 2025

تسجيل

القيم الأخلاقية في خطاب سمو الأمير

14 نوفمبر 2018

رغم الحقائق، المُدعّمة بالأرقام والإثباتات، فيما يتعلق بمتانة الاقتصاد القطري، وصموده أمام تداعيات الحصار، الذي فُرضَ جورًا على الشعب القطري، وبرغم المسؤولية التي تتحملها القيادة الرشيدة، تجاه قضايا الأمة، جاء خطاب حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وثيقة أخلاقية لكيفية تكوين الإنسان المُنتج، والقادر على التكيف مع خطط التنمية في دولة قطر، كون هذا الإنسان أساس التنمية الأول. ومن هنا، فقد ركّز سمو الأمير على أن « ارتفاع معيشة المواطن، يجب أن يواكبهُ تطوّر قيمي وثقافي واهتمام بالأخلاق» وهذا ما يأخذنا إلى أهمية الجدّية في نوعية التفكير، وطرق التنفيذ، ورفض ظاهرة اللامبالاة، التي نجدها عند بعض المواطنين، ومنهم الطلبة على مقاعد الدراسة، حيث نلاحظ على بعضهم، التغيّب عن حضور المحاضرات، أو تأخير أو اهمال الواجبات التي يُكلّفون بها، لأن الطالب الذي ينشأ على هذه العادات، المخالفة للقيم التي أوضحها سمو الأمير، لن يستطيع الاندماج في عجلة التنمية، بل يكون مُعوقا لها. لذا، فإن اللامبالاة، وهدر الوقت، وعدم إنجاز الأعمال في مواعيدها، تضرّ أي فرد في المجتمع، مهما كان بعيدًا عن دائرة المواطن، الذي لا يُدرك هذه القيمة. ومن الظواهر التي حذّر منها سمو الأمير( الاستهلاكية غير المُنتجة والمتذمرة باستمرار)، وفي هذا بُعد نظر، ودعوة إلى تحبيب الإنتاجية، وأهمية شعور المواطن بأنه جزء من مجتمع مُنتج، وعليه، يجب ألّا يكون أقلَّ من غيره في انتاجيته، مهما كان حجمها؛ لأن الإنسان الذي يشعر بعدم قدرته على الإنتاجية، سوف يكون دائم الشكوى، كثير التذمُّر، ما يُمكن أن يؤثر على مَن حوله، سواء أفراد أسرته، أم مع زملائه في العمل. بل إن أبناءهُ، سوف يتأثرون بتلك الصفات، ويكبرون عليها، وليس بعيدًا أن يمارسوها مع جيلهم القادم. نقول في أدبياتنا، ( لا يعجبه العجب، ولا الصيام في رجب)، وهذا ديدن الشخصية المُتذمِّرة، التي تكون غير مُنتجة، وتشعر بالدونية، الأمر الذي يحوّلها إلى شخصية « بكّاءَة»، تُجاهر بالشكوى والانتقاد، دون وعي، ودون قراءة سليمة لواقع الأمور. كما أن هذا التوجُّه، يُضفي على الأسرة حالةً من الكآبة والقصور عن مواجهة متطلبات الحياة. تحدّث سمو الأمير عن (أخلاقيات العمل، والإخلاص لوقت العمل، والصدق في رفع التقارير، والشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع والدولة، واعتماد الأهلية أساسًا للتعيين والترقية، وليس هُويّة الشخص). وأرى في هذا التوجيه، رسائل واضحة للجهاز التنفيذي في الدولة؛ ذلك أن المجاملة، وإخفاء الحقائق و»الممالأة الاجتماعية»، فضلا عن كونها لا توفر البيئة الصالحة للعمل الناجح، فإنها تخلق العداوات، والشعور بالعجز، أو التذمُّر، لدى الفئات التي لا تشملها تلك « المُمالأة»، وإن الكفاءة يجب أن تكون أساسًا ومعيارًا لتعيين الأفراد، في المواقع التي تأهَلوا لها، بغض النظر عن الأسماء والانتماءات. وأعتقد أن تلك رسالة قيمية واضحة، لا بد وأن تصل إلى الجهاز التنفيذي. ولا بد لنا من الاعتراف، بأنه يوجد تكدّس في بعض الوظائف وفي التعيينات، ويجب أن تتوقف تلك التعيينات التي ليست في مكانها، الأمر الذي يُعوق عجلة التنمية في البلاد، ويُضعف دور المؤسسات في اللحاق بخطط التنمية التي تضعها الحكومة. إن بناء الإنسان أصعب بكثير من بناء الأبراج والعمارات، لذا، فإن التعليم الجيد، ومراجعة خطط التعليم باستمرار، من الأمور المهمة التي تساهم في بناء الإنسان، لأن الإنسان المؤهل للمنصب أو الوظيفة، يظل أقدر على تحمّل المسؤولية من ذاك الذي يأتي عبر «الهُويّة الشخصية»، والذي يكون عبئًا على التنمية، بل ويحجز وظيفة يستحقها مواطن آخر. فإنسانٌ لا يقدّر قيمة الوقت، ومديرٌ يغلق على نفسه باب المكتب، مستمرًا في حديث مع زميل، أو حوار على الهاتف، لا يخدم الدولة، ولا يتفاعل مع متطلبات وظيفته، ويُجهض الخطط التي تضعها الدولة للارتقاء بالعمل وخدمة المجتمع. كما أن الإنسان الذي ينشأ على ثقافة « التأجيل»، أو حرق المراحل، لا يصلح لأن يكون عضوًا في مجتمع متحضّر، ومؤمنٍ بالعقلانية والواقعية في التعامل مع الأمور. بل إن مثل هذا الإنسان يُربك مَن حوله، وقد يلجأ إلى أساليب «ملتوية» في التعامل مع مجتمعه! فالطالب الذي يتعوّد على شراء البحوث، لن يفيد مجتمعه، لأنه يخدع نفسه، ويخدع المُدرس، ويخدع الدولة التي وثقت فيه، كما أنه لن يستطيع تحمّل أعباء مسؤولية وظيفته، وإن نجح في الوصول إلى وظيفة ينشدها. والموظف الذي ساعدته الظروف في الوصول إلى وظيفة ما، هو لا يستحقها، لن يتوانى عن هدر وقت العمل، والخروج المتكرر، في الوقت الذي يترك الإدارة أو القسم يُدار من قِبل بعض الكَتبة، الذين لا يستطيعون إدارة شؤون الإدارة أو القسم. ومن هنا، واستنادًا لرؤية سمو الأمير، لا بد وأن تكون هنالك مراجعة شاملة، لجميع إدارات الدولة، تقوم على الاستبانات الدقيقة، لمتطلبات الوظيفة واختصاصاتها، ومدى التقدم الذي حققه مدير الإدارة، أو رئيس القسم، وعدم تكرار الأنشطة التي تقوم بها جهة أخرى، لأن في ذلك هدرا للمال والجهد. وبهذه الطريقة نستطيع التيقن من سلامة طريقنا نحو قطر الناجحة، التي ينشدها كلُّ القطريين، ومعهم القيادة الرشيدة. خطاب سمو الأمير وثيقة لإستراتيجية اجتماعية واقتصادية، لا بد وأن تتم دراستها بواسطة الجهاز التنفيذي، وأن تُطبّق القيم الواردة في الخطاب، كأساس لعمل الوزارات والإدارات. وعلى المُخططين في علم الإدارة، والتعليم، والاقتصاد، والشؤون الاجتماعية، أن يقرَؤوا مضامين الخطاب البائنة وتلك غير البائنة، لأن كثيرًا من المعاني غير البائنة تصلح لأن تكون نبراسًا لعلم الإدارة، وخلقِ الإنسان المُنتج، الذي يُدرك الأبعاد، طويلة الأمد، لحقيقة كونه مواطنًا، في بلد (يستحق منه الأفضل) وهذا يؤكد قوة الخطاب وعقلانيته في تناول قضايا الأمة، والعلاقات مع الدول الشقيقة، وتلك المنكوبة بالمآسي، وقيام دولة قطر بتقديم واجباتها في دعم تلك الدول، والتخفيف من الويلات على شعوبها. كما أن إشارة سمو الأمير لخطوات المجلس التشريعي من الأمور التي تستحق الإشادة، خصوصًا في ظلّ ما مرّت به البلاد من ظروف، وتأكيد سموه (بأننا ماضون في تنفيذ هذا القرار).