18 سبتمبر 2025
تسجيلتتفاوض أمريكا مع إيران الآن وجها لوجه، وبصورة علنية، بعد وقت طويل جرى التفاوض بينهما بعيدا عن الأعين أو عبر وساطات ورسائل لا يكشف النقاب عنها. وقد سبق للتفاوض أن جرى عبر التهديد أيضا، إذ كان الموقف الأمريكي غير الحاسم في رفض التهديدات الإسرائيلية بقصف المفاعلات النووية الإيرانية، جانبا من التفاوض الذي جرى أيضاً تحت ضغط تهديدات أمريكية باستخدام القوة عبر الإعلان عن امتلاك خطط أمريكية لقصف المفاعلات النووية الإيرانية، وإطلاق مقولة "خيار القوة لا يزال على الطاولة".والبادي من متابعة أنباء المفاوضات الأخيرة، أن الملف النووي الإيراني لا يزال هو القضية المختلف حولها بين الطرفين الأمريكي (والأوروبي) والإيراني، غير أن تصدير حكاية الملف النووي وحدها لا تعكس حقيقة ما يجري، كما أن الجاري على الأرض في المنطقة يطرح أسئلة أبعد وأعمق وربما أخطر، من حكاية الملف النووي، إذ الحروب والصراعات الجارية في المنطقة الممتدة من باكستان وأفغانستان وحتى لبنان مرورا باليمن والعراق وسوريا، تظهر أن الملف النووي ليس إلا واحدا من ملفات عديدة وخطيرة. ويبدو الربط بين الملفات أمرا مهما للغاية، ليس فقط لأن إيران اعتمدت إستراتيجية اللعب بالملفات والأوراق المتعددة والمتنوعة في الإقليم الذي يعيش أسوأ حالات صراع الخارج على النفوذ في داخله، بل لأن ثمة استعدادا أمريكيا وأوروبيا - ومن بعض الأطراف العربية- للاعتراف بالنفوذ والدور والمصالح الإيرانية في الإقليم، كبديل لامتلاك إيران للسلاح النووي!لقد جاء الإعلان عن جولة مفاوضات علنية ورسمية في مسقط، تشديدا على انفراد الأمريكيين والأوروبيين بتحديد العلاقات الحالية والمستقبلية مع إيران دون بقية أعضاء مجلس الأمن الدولي، كما تظهر المفاوضات للعلن مدعومة بأنباء عن رسائل مباشرة بين الرئيس الأمريكي والمرشد الإيراني تحوي تشديدات على المصالح المشتركة بين الدولتين، والأهم أن المفاوضات المباشرة تأتي كاشفة ومفسرة لما يراه الجميع على الأرض من ارتباط عسكري عملياتي بين سلاح الجو الأمريكي والميلشيات والفيالق الإيرانية المقاتلة على الأرض العربية.ويستطيع المتابع القول بأن التركيز على الملف النووي، يعكس سريان توافقات سبق الوصول إليها بين الدولتين –أسست لما بعدها- بدءا من التعاون المشترك خلال العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، وصولا لما هو جار من غطاء الطيران الأمريكي للحوثيين والميلشيات الإيرانية المقاتلة في العراق..إلخ.وفي كل ذلك يجري الصراع والاتفاق على حساب دول الإقليم، حتى يمكن القول بأن البلدين باتا في خندق واحد في كثير من القضايا التي تشهد حالات اشتباك في الإقليم، أو أن هناك خصوما أقوياء لكل من الولايات المتحدة وإيران، يدفع الطرفين الآن للالتقاء في مواجهة هؤلاء الخصوم. وبمعنى آخر، فان وصول الولايات المتحدة وإيران لحل لخلافاتهما وتنظيم حدود اتفاقاتهما ومصالحهما هو على حساب الأطراف العربية والإسلامية، لا أكثر ولا أقل. وهنا يظهر الخطر في المفاوضات الجارية، إذ لا طرف عربي أو إسلامي مشارك وصاحب قرار بشأن ما يجري التفاوض بشأنه.الولايات المتحدة وأوروبا لا يتفاوضان مع حول الملف النووي الإيراني، إلا من زاوية الحفاظ على الوجود والمصالح الأمريكية الغربية في المنطقة العربية، حيث ما يعني الغرب هو أمن وجوده العسكري واستمرار مصالحه الاقتصادية وعدم وقوعهما تحت تحديد سلاح نووي إيراني. هم لا يتفاوضون حول حق العرب في امتلاك سلاح مكافئ ولا حول المصالح العربية في الدفاع عن النفس، بل يتفاوضون حول تقاسم المصالح الغربية والإيرانية في المنطقة العربية والإسلامية.إيران والغرب يتصارعان ويتفاوضان علنا، حول أجندات مخفية ومتعددة، ونظم الحكم العربية والإسلامية لا تشارك في المفاوضات ولا التسويات إلا عبر ما يصلها سرا، ونتائج التوافقات الجزئية التي جرت في السابق تظهر مخاطر الاتفاقات القادمة إن انتهت المفاوضات إلى الاتفاق الكامل.في السابق دفعنا الثمن، وفي القادم سندفع ثمنا أكبر وأخطر.