14 سبتمبر 2025

تسجيل

الدروس المهمة من أحداث الأمة (5)

14 نوفمبر 2012

تأصيل مشروعية دور الرعية في تقويم إساءة الحاكم وإصلاحهجؤارنا إلى الله تعالى أن تصبح أرض الكنانة – وكل دول الربيع العربي - وقد هدأت الفتنة، وزالت المحنة، وسكنت الدهماء، وأنارت الظلماء، وخبت نار الهيجاء، وأخمدت البأساء أوارها، وركدت ريح البلاء، وانقشعت سحائب اللأواء، وانحسمت مادة الضراء، ونزعن كوامن الشحناء، كشف الله تعالى عن أرض الكنانة الغمة، وسد الثلمة، وعدل الميل، وثقف الزيغ، ورتق الفتق، ولم الشعث، وأصلح الفاسد، وأقام المائد، وقوَّم الحائد، وردَّ الشارد، ووصل ما قطع، وأعاد المنهدم، وداوي السقم، ورأب الصدع، وصحت الدولة بعد السقم ,وانحسم الداء وانكشف البلاء، واستفاض الأمن، وذهب الحزن، وانبتر الشجن، وزال الروع، وانتظم الشمل، وانجبر الوهن،ولكن ما شرعية هذا الخروج لهذه الجماهير؟؟، هذه الجماهير كم أغضت الجفون على القذى، وسحبت الذيل على الأذى، ولكل كتاب أجل، ولكل أجل كتاب، وهاك الأدلة على مشروعية هذا الخروج، والله تعالى وحده العاصم من الزلل، والخلل والخطأ، في القول والعمل،1-عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: -من قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد ومن قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد .‏عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم -من قتل دون مظلمة فهو شهيد.2-وفي الصحيح "مَنْ رَأَى مُنْكَرا فَلْيُغَيّرْهُ بِيَدِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".3-وفي الصحيح عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ:"عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ، فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلاَّ أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ".4-روى ابن اسحاق : حدثني الزهري، حدثني أنس رضي الله عنه، فيما قاله الصديق رضي الله عنه، في أوّل خطبه سياسية في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( ثم تكلم أبو بكر، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، أيها الناس، فإني قد وليت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف منكم قوي عندي حتّى أزيح علّته إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيف حتى آخذ الحقّ إن شاء الله، لا يدع قومٌ الجهاد في سبيل الله إلاّ ضربهم الله بالذلّ، ولا يشيع - فى - قومٌ قط الفاحشة إلاّ عمّهم الله بالبلاء، أطيعونـي ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ) قال ابن كثير، وهذا إسناد صحيح أ.هـهكذا يعلنها واضحة صريحة لا لبس فيها أول خليفة في هذه الأمة "إن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوّموني" وكيف يكون التقويم ؛ إلا بمثل هذه الطريقة المسالمة دون فتة، ولا إفساد في الأرض، ولا بغي، ولا تخريب ولا تدمير.5-عن عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ،قال: بَايَعَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَىَ أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ".ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلاَّ أن تروا منهم منكراً محقَّقاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وعلينا أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر في كلِّ زمان ومكان، الكبار والصِّغار، لا نداهن فيه أحداً، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمَّة فلا تأخذنا فى الله لومة لائم، والمقصود بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : "أن لا ننازع الأمر أهله " أي أئمَّة العدل والإحسان، والفضل والدين فهؤلاء لا ينازعون، وعليه فولاة الظلم وأئمة الجور، الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا، ويكممون الأفواه، ويعطلون شريعة الله، فلا يؤمر بمعروف، ولا يتناهي عن منكر، فهؤلاء ليسوا أهلا للأمر. ألا ترى إلى قوله تعالى لإبراهيم خليل الرحمن "قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين"وعلى هذا يفهم ويحمل قيام الحسن، وابن الزُّبير، وأهل المدينة – رضي الله عنهم أجمعين على بني أميَّة، وقيام جماعة عظيمة من التَّابعين والصَّدر الأوَّل على الحجَّاج مع ابن الأشعث .لِإِقَامَةِ الْحَقِّ وممن رأي مثل هذا الْخُرُوجَ عَلَى إمَامٍ غَيْرِ عَادِلٍ ابْنُ عَقِيلٍ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وغيرهمقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ ابن حزم - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَصَحَّ أَنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلًا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَازِعَهُمْ إيَّاهُ،لقد صح ووضح بهذه النصوص، أحقية ومشروعية هذا الخروج،قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّرِيعَةَ جَاءَتْ بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ.وَأَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُوَلَّى الْأَصْلَحُ لِلْوِلَايَةِ إِذَا أَمْكَنَ: [إِمَّا] وُجُوبًا عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَإِمَّا اسْتِحْبَابًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ عَدَلَ عَنِ الْأَصْلَحِ مَعَ قُدْرَتِهِ - لِهَوَاهُ - فَهُوَ ظَالِمٌ وَيَقُولُونَ: مَنْ تَوَلَّى فَإِنَّهُ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ، [وَلَا يُعَانُ إِلَّا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ]، وَلَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلَا يُعَانُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ. وَالرُّسُلُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بُعِثُوا بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا، وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا فَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ أَكْمَلُ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، وَالْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ انْعَكَسَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمْ، فَصَارُوا يَتَّبِعُونَ الْمَفَاسِدَ وَيُعَطِّلُونَ الْمَصَالِحَ، فَهُمْ شَرُّ النَّاسِ""لعل القارئ والمتابع للأحداث الجارية،يجد المبررات المشروعة لقيام هذه الثورة، داعية إلى العدل والإحسان، ناهية عن المنكر والبغي والظلم، منادية بالإصلاح والصلاح،آمرة بالبر والمعروف، معاونة على البر والتقوى، زاجرة عن التعاون على الإثم والعدوان،لم يسفكوا دما حراما، ولا يدمروا عامرا، ولم يهتكوا عرضا، ولم يخدشوا حياء، ولم يخونوا أمانة،وإنما تآخوا لدفع الظلم، ورد الأمور إلى نصابها،ونصرة المظلوم.لقد كان ملخص حال الناس قبل الثورة كما قال ابن السّمّال الأسدي أيام معاوية: كيف تركت الناس؟ قال: تركتهم بين مظلوم لا ينتصف، وظالم لا ينتهي . أوليس هذا مبررا شرعيا للنهوض بالثورة؟؟!!وقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم حلفا قبل نزول الوحي عليه لو دعي لمثله في الإسلام لأجاب إنه حلف الفضول، الذي تداعت فيه قريش لنصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وردع الظالم،وإحقاق الحق ـ وإبطال الباطل. وفي الصحيح "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما، قالوا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تمنعه من ظلمه فذلك نصر له"أما وقد خرجت هذه الملايين، متنادية بطرح الثقة في راعيها، متآزرة على إحقاق الحق، وكف أيدي الظلمة من أعوان النظام وسدنته، فما بقاء الراعي بعد ذلك في سدة الحكم,ورعيته وهي من بوأته هذا المقعد،ولا سبيل له للقيام بواجباته الشرعية إلا بها وقد نفضت يدها من يده، ففيم العناد والتمادي في الغي، والرعاة والرعية شركاء متضامنون متعاونون، لا يتم لطرف منهما القيام بواجبه إلا بمؤزرة ومساندة الآخر فهما كاليدين تغسل إحداهما الأخري، وهما للدولة كجناحي الطير، لا يحلق إلا بهما، فإذا اعتل أحدهما، تعطلت وظيفة الآخر، والراعي هنا هو أول من قص جناح الدولة ونتف ريشه، فحق لها أن تخرج بلا سلاح ولا محاربة،قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى- الْإِمَام شَرِيكُ النَّاسِ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، إِذْ كَانَ هُوَ وَحْدَهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَهَا، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَهُمْ فِيهَا، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، وَيَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ، وَلَا يُوَفِّيهَا، وَلَا يُجَاهِدُ عَدُوًّا إِلَّا أَنْ يُعِينُوهُ، بَلْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ جُمْعَةً وَلَا جَمَاعَةً إِنْ لَمْ يُصَلُّوا مَعَهُ، وَلَا يُمْكِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ إِلَّا بِقُوَاهُمْ وَإِرَادَتِهِمْ. فَإِذَا كَانُوا مُشَارِكِينَ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَالْقُدْرَةِ، لَا يَنْفَرِدُ عَنْهُمْ بِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْعِلْمُ وَالرَّأْيُ لَا يَجِبُ أَنْ [يَنْفَرِدَ بِهِ بَلْ] يُشَارِكُهُمْ فِيهِ، فَيُعَاوِنُهُمْ وَيُعَاوِنُونَهُ، وَكَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ تَعْجَزُ إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ، فَكَذَلِكَ عِلْمُهُ – وعمله يَعْجَزُ - عنه - إِلَّا بِمُعَاوَنَتِهِمْ." وعليه فإن تم العصيان المدني وامتنعت الرعية عن استئناف عملها،والعودة إلى مصانعها ومختبراتها، فكيف يدور دولاب الحياة؟؟!. هذا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وللحديث بقية بحول الله تعالى وقوته. هوامش:مسند الإمام أحمد‏مسند الإمام أحمدصحيح مسلم  كتاب الإيمان.باب بيان كون النَّهي عن المنكر من الإِيمان، وأنَّ الإِيمان يزيد وينقص، وأنَّ الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر واجبانصحيح مسلم كتاب الإِمارة. باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصيةالبقرة:124الاستذكار لابن عبد البر(14/39)؛ إكمال المعلم(6/247)، الفروع(6/153)؛ الفصل في الملل(3/101)المحلى بالآثار(11/353)منهاج السنة (1/ 551- 552)العقد الفريد 2/ 127منهاج السنة (1/؟؟410)