13 سبتمبر 2025

تسجيل

التغير المناخي ورؤية دولية لتقليل المخاطر

14 نوفمبر 2012

يبحث المعنيون بحل مشكلة التغير المناخي بوادر أزمات تلوح في الأفق وهي عدم تقديم الدول الغنية معونات مالية للدول الفقيرة للنهوض باقتصادات الدول النامية لمواجهة التغير المناخي. ففي تقرير دولي نشر مؤخراً يفيد أنّ الدول الغنية تعهدت بمعونات في 2013 لمشاريع التغير المناخي في الدول النامية، وزيادة مقدارها إلى "100"مليار دولار بحلول 2020. هذه الفجوة هي تعهدات التنمية بوضع برنامج يتم بموجبه تقديم "10"مليارات سنوياً كمصدر لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، وللتوصل في 2015 إلى حلول بشأنها، ومساعدة الدول الفقيرة على الإبطاء من وتيرة الاحتباس الحراري إلا أنّ المباحثات لم تتناول المستجدات بعد هذه السنوات. ويأتي مؤتمر التغير المناخي الذي سينعقد بالدوحة لصياغة اتفاق دولي بشأن مكافحة الظواهر السلبية للطبيعة، إذ إنّ الوضع القائم يؤثر بشكل ملحوظ في جميع أوجه النشاط الاقتصادي، وتواجه الدول الغنية تقلبات اقتصادية وتوترات سياسية بسبب البطالة، وانعدام الفرص أمام الشباب، والتأمينات الاجتماعية، وإجراءات التقشف التي تنتهجها الحكومات الغربية، إلى جانب تداعيات ديون اليورو، مما أثر على آلية مواصلتها لدعم الدول النامية التي تترقب مليارات الدولارات لتوظيفها في مشاريع تكافح التغير المناخي. يفيد تقرير "رويترز " أنّ اجتماع خبراء المناخ والدول النامية بالدوحة لبحث مسار زيادة المساعدات للوصول إلى "100"مليار دولار كتمويل للتغير المناخي، وأنّ المشكلة في المعونات تكمن في موازنات الدول التي لم تحدد مصادر المعونة، ومن أين تستقي تلك الأموال .. هل من الاستخدامات الجديدة للكربون أم الضرائب أم الشحن البحري أم التعاملات المالية أم من مشروعات الطاقة المتجددة . كما أن صندوق المناخ التابع للأمم المتحدة لا يزال ينتظر المعونات لتسريع آلية النهوض بمشاريع التغير المناخي، حيث تشير الدراسات العلمية إلى أنّ مستقبل المناخ سيعاني من الاضطرابات المناخية القائمة التي تجعل من الصعوبة معرفة التغيرات الحقيقة أو التكهن بما سيحدث سوى أنّ المؤشرات الحالية تؤكد أنّ الانبعاثات الحرارية هي وراء هذا التغير . وتشير تقارير رصد دولية إلى أنّ غياب المساحات الخضراء تسبب في "15%" من انبعاثات الغازات، وهناك نسبة كبيرة من ذوبان الجليد في القارات، وزيادة في مناسيب البحار والجفاف والفيضانات، وتوقعات بانقراض كائنات بسبب تغير البيئة الصحراوية والبحرية، وأنّ "20%" من الأنواع البرية مهددة بالانقراض بحلول 2050 . وإذا كان العالم عانى من "278" كارثة في 2004، ومن "482" كارثة في 2006، فإنّ الوضع الحالي يهدد بمزيد من الكوارث بسبب غياب التنسيق بين الدول، وعدم وجود حوار منظم يعمل على تفعيل التوصيات والجهود. وما يعنينا هو الجانب الاقتصادي فقد أثرّ النمو العالمي المتسارع في ارتفاع مستوى انبعاثات الغازات الدفيئة التي وصلت إلى حد يتطلب معه التكاتف من أجل الحل، وأنّ هذا النمو صاحبه زيادة في حجم الصناعات والأنشطة البشرية المختلفة التي غلب عليها العشوائية وعدم التنظيم مما تسبب في ظهور المشكلات المناخية المقلقة. من التأثيرات السلبية للمناخ على الاقتصاد تراجع إنتاج الغذاء وتضرر الكثير من المحاصيل في عدد من الدول الزراعية، وظهور مشكلات الجفاف والتصحر وزحف التربة وعدم صلاحية الأراضي للزراعة . وفي القطاع السياحي أدى الاحتباس الحراري إلى تراجع أعداد السياح بسبب سوء أحوال المناخ، وعرقلة النشاط السياحي والخدمات التي تقوم عليها. وفي القطاع الاقتصادي أدى النشاط الصناعي إلى مضاعفة التلوث البيئي، حيث يرى العلماء أنّ التغير المناخي قد يصل لمستويات أبعد مما نراه الآن، وقد تابعنا الكثير من الأحداث مثل تسونامي والفيضانات في دول آسيا وإعصار الولايات المتحدة الأمريكية التي أثرت على البنية التحتية للاقتصاد والخدمات والطرق . في تقرير لمؤسسة "وورلد واتش"الأمريكية يشير إلى أنّ نسبة الانبعاثات في الاقتصاد العالمي بلغت "8،2"مليار طن من غاز ثاني أكسيد الكربون في 2007، وأنّ حرق الوقود العضوي هو المسؤول عن "74%" من الانبعاثات، ومع استمرارها بمعدلاتها الحالية ستزيد من حدة الاحتباس الحراري، مما سيتطلب معه ضرورة تخفيض درجة حرارة الأرض، وإعادة مستويات الانبعاثات الكربونية إلى ما دون مستواها بنسبة "50%". هذه التكلفة الاقتصادية يتطلب معها تدبير تمويل استثماري بحجم حكومات دول، حيث تتراوح تكلفة خفض هذه الانبعاثات "2%" من إجمالي الناتج الاقتصادي العالمي، وفي حالة التراخي عن تحقيق نتائج مرجوة سترتفع إلى "20%" عن الناتج الإجمالي العالمي، وقد تصل تكلفة الإجراءات إلى "4،6"تريليون دولار أمريكي بواقع "200"مليار دولار سنوياً لتخفيض نسبة الكربون في 2030 حتى تعود إلى مستويات 2007. ولم يتوصل المجتمع الدولي حتى هذه اللحظة إلى اتفاق دولي بشأن كيفية تطبيق المسؤولية الاقتصادية والبيئية على ما يتسبب في تلويث الكوكب. وينظر خبراء البيئة والمناخ بتفاؤل إلى دور التكنولوجيا في التخفيف من حدة تأثيرات قسوة المناخ، وأنّ استخدام الطاقة الخضراء والنظيفة والبحث عن مبتكرات جديدة في الطاقة المتجددة من الممكن أن يقلل من الارتفاع، فيما يبحث المعنيون ابتكار برامج مطورة تتنبأ بغضب الطبيعة، وتبحث آليات الإنقاذ بفترات كبيرة كافية، وصياغة قرار دولي يدعو للتخفيف من نشاط الإنسان في الطبيعة، وحماية الغابات التي تشكل غطاءً نباتياً يحمي الأجواء من التغير المناخي، وإدراج المحميات الطبيعية في كل الإستراتيجيات الدولية وحظر إزالتها لتكون سداً منيعاً أمام الكوارث. ونأمل أن يخرج الخبراء والمعنيون من مؤتمر الدوحة للتغير المناخي برؤية دولية موحدة تعمل على تقليل مخاطر التلوث، وتقلل من زيادة الانبعاثات، وتتفق على صيغة تناغمية وتوافقية تجمع بين الاقتصاد والبيئة من أجل كوكب صحي .