23 سبتمبر 2025

تسجيل

تغييب الرأي الآخر.. في بيت الحصانة!!

14 أكتوبر 2018

ضجة إعلاميّة عالميّة لم يسبق لها مثيل، يقابلها صمت عربي كصمت القبور ، قضية جمال خاشقجي بأبعادها وملابساتها إن ثبت اغتياله أو اختفائه، جريمة فكرّية إنسانية تعاقب عليها جميع القوانين والأعراف، حركت المجتمعات والمنظمات العالمّية ، في نهجها اغتيال للفكر و اغتيال للحرية واغتيال للحوار ، في الدول المتحضرة بمنظماتها، ومؤسسات المجتمع المدني تحترم الفكر الإنساني وتؤمن بالحوار العقلي ،وإلا لما هاجر إليها الكثير من العرب والمسلمين بحثاً عن الأمان الفكري والاستقرار الفكري ،والحرية الفكرية ، وهروباً من سطوة أنظمتهم الاستبدادّية، كما هو الكاتب والمفكر جمال خاشقجي الذي دخل القنصلية السعودية مستشعرا بالأمان باعتبارها بيتا للحصانة كما هي بيته الآخر ولم يخرج منها ، تاركاً خلفه الكثير من التساؤلات والاستفسارات والاستنكارات ؟؟، فلم يتوقع القائمون على عملية اختفائه واغتياله بأن تأخذ هذه القضية هذا الحجم من الاهتمام الإعلاميّ والسياسّي وتتصدر الصحف العالمية ، وأن تصل إلى سدة البيت الأبيض ، وطلب أعضاء في البرلمان الأوروبي بإجراء تحقيق مستقل لإماطة اللثام عن ملابسات اختفائه ، كما هو إعلان السويد الذي يتماشى مع موقف البرلمان الأوروبي ، وكما هو تعليق بعض المؤسسات الإعلامية الدولية والشخصيات البارزة مشاركتها مؤتمر مستقبل الاستثمار الذي سينعقد في العاصمة السعودية خلال هذا الشهر ، كل ذلك من أجل احترام الفكر وحرٌية الكلمة ، كان يتوقع أن يُطوى ملف جمال خاشقجي سريعا ويصبح في طَي النسيان كغيره من القضايا الفكرية التي دُسّ بأصحابها في غياهب السجون والمعتقلات بين أسواط التعذيب ، ولكن أن تأخذ مثل هذه الأبعاد المتلاحقة، والتي مازلت مستمرة حتى تتضح الحقائق وينكشف المستور لم يتوقع     . …. لقد أصبحت مصطلحات (القوة.. القتل.. التعذيب.. الاغتيال) هي لغة الأنظمة الاستبدادية التي لا تتورع في انتهاك الحقوق والحريات ، وفِي تكميم الأفواه المطالبة بالتغيير والإصلاح ومن يتجاوز الخطوط الحمراء ، وأصبحت الكلمة الحرة مقصلة يجز فيها رقاب المتحدثين بها ، جمال خاشقجي نموذج لضحية دفعت ثمن الرأي الحر والكلمة الشجاعة الصادقة ، يعيد لذاكرتنا وبنفس الوتيرة الإجرامية اغتيال سليم اللوزي ، وجبران تويني ، وسمير قصير ، وناصر السعيد ، وهناك الكثير أمثالهم من أصحاب الفكر والرأي والكلمة ، سحقت أرواحهم جرافات الأنظمة الاستبدادية ومعها سحقت أصواتهم وكلماتهم، مما يدل على أن سياسة القمع والقوة هما المسيطران على فكر أغلب الأنظمة الاستبدادية التي تتعامل مع شعوبها بمنظور الذئب والخراف ، ومع وجودها هالة عظمى ومنها قامت الثورات ، والثورات المضادة في العالم العربي. ـ…. لم يع المسؤولون عن اختفاء أو اغتيال جمال خاشقجي قوله تعالى في كتابه الكريم: « سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ «، ولم يدرك من خطط ونفّذ الجريمة أنها ستتحول إلى قضية رأي عام دولي ينتظر إنجلاء الحقيقة أيا كانت نتائجها لمعرفة الجاني ، ولكن الكذب والمراوغة والتدليس اتخذت جميعها ستارا لإخفاء الحقيقة ولتغطية مثل تلك الجرائم البشعة اللا إنسانية التي تمارسها الأنظمة الجائرة والمستبدة يذكرنا بما قاله وزير الدعاية في حكومة هتلر» اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس ، وتصدق أنت نفسك «، هاهي ملابسات الجريمة وتداعياتها قد بانت مهما استمر صُنّاعها في التضليل والكذب ، وإلصاق التهم بأطراف أو دول أخرى     . ... إذا كانت السجون والمعتقلات والاغتيالات التي تُمارسها اليوم مثل هذه الأنظمة الجائرة البوليسية وبدم بارد هي المقصلة التي تزج بها رقاب من يحمل فكرا إصلاحيا ، أو كلمة حرّة ، بهدف المصلحة العامة إذن !! لماذا تشرع القوانين القضائية والتشريعية ، وأين نحن من قوله تعالى:» ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين «، لا حكمة ولا موعظة ولا جدال ولا حوار ولا أمان مع أنظمة تحمل شعار» أنا والطوفان من بعدي»، لا ترى إلا بمنظور المصلحة الذاتية والتشبث بكرسي العرش الزائل والنفخة الإعلامية المراوغة وهم كما قال تعالى عنهم في كتابه الكريم : « الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا». فمتى تغلق بوابات الجبروت والتحكم ؟!!، ومتى تتعامل الأنظمة مع الإنسان من بني وطنه بقيمته كإنسان كرَّمه الله واحترم فكره بالنقاش والحوار ، ووجوده في البناء والإصلاح لعمارة الأرض ، وليست ورقة لعب تتناقلها السياسة التي تحركها خيوط المصلحة من أجل البقاء ، ومتى يستشعر صاحب الفكر الصادق بالأمان في وطنه ؟!!، ومتى يعي الطغاة ما أكد عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم): « لزوالُ الدنيا أهونُ على الله من قتْل مؤمنٍ بغير حق». [email protected]