13 سبتمبر 2025
تسجيلدائماً ما يدعي الأوروبيون بأنهم ضمير الإنسانية ورمز التسامح والخير، وهو الدور الذي حاولوا القيام به مع اللاجئين والنسبة الغالبة منهم من الشرق الأوسط الذين يعانون من الخوف والاضطهاد والحروب والقتل، متناسين دائما أنهم هم من احتلوا دول هؤلاء اللاجئين وأسهموا في تقسيمها وأنهم من مدوا جميع القوى والجبهات المتصارعة بالسلاح سواءً كانوا جيوشا نظامية أو ثواراً أو من القاعدة أو داعش، ومن ثم فهم المتسببون بشكل مباشر وغير مباشر في هجرة أبناء هذه الدول واللجوء إلى بلادهم... ويرى البعض أن الإنسانية والرحمة ليسا هما السبب الرئيسي وراء استقبال وترحيب أوروبا لهؤلاء اللاجئين، وإنما يكمن وراء ذلك العديد من الأسباب الاقتصادية والسياسية الأخرى، وفي المقدمة منها علاج مشكلة شيخوخة العمالة الأوروبية ونقص الأيدي العاملة بها، بالإضافة إلى تفريغ هذه الدول "خاصة سوريا" من أبنائها.هذا وتعد الدول الأوروبية خاصة الغنية منها من أهم المقاصد التي يسعى هؤلاء اللاجئون إليها سواءً بسبب القرب أو الأمان والاستقرار أو الغنى ومستوى المعيشة المتقدم.. حيث بلغت أعداد اللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا هذا العام فقط أكثر من خمسمائة ألف شخص "وفقاً لبيانات وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة" أي ما يقرب من ضعف الأعداد التي وصلت إلى أوروبا طوال العام الماضي بأكمله.إلا أن ارتفاع وضخامة أعداد اللاجئين إلى أوروبا وتخوف الكثيرين من تأثيرهم السلبي على اقتصادات بلادهم في ظل اتباع حكوماتهم لسياسات اقتصادية ومالية تقشفية حادة، قد خلق حالات من العداء تجاههم، حيث قامت جماعة النازيين الجدد في ألمانيا بحرق بعض المعسكرات والمساكن التي يقيمون فيها، كما اكتسبت الجماعة المناهضة للاجئين في السويد تأييداً شعبياً جارفاً، وأعلن رئيس وزراء المجر أن المهاجرين غير الشرعيين يهددون استقرار وأمن وبقاء بلاده، ورفضت خمس دول من شرق أوروبا استقبال أي لاجئين من الحصة التي فرضتها المفوضية الأوروبية لتوزيع 120 ألف لاجئ على الدول الأوروبية.ويؤكد البعض أن أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص وهي الدولة التي أعلنت عن دعمها للاجئين بأربعة مليارات يورو "أي أكثر من ضعف ما تعهدت به جميع دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الخليجية" بالإضافة إلى إعلانها عن منح 670 يورو شهريا لكل لاجئ على أراضيها، مؤكدين أنها لا تقوم بهذا الدور بدافع أخلاقي فقط وإنما لحاجتها لهؤلاء اللاجئين الذين يتميزون بصغر السن والحرص على العمل، فيما تعاني القوى العاملة في ألمانيا من الشيخوخة وهي على وشك الانكماش. مما دعا المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" إلى التصريح بقبول بلادها لثمانمائة ألف لاجئ وأنهم سيساهمون بشكل إيجابي في تنمية الاقتصاد الألماني وفق خطة موضوعة ورغم ذلك فقد أدى هذا التصريح إلى انخفاض شعبية السيدة ميركل "وفقاً لأحدث استطلاعات للرأى"، كما أن دولاً أوروبية أخرى قد حصلت على قروض ضخمة سوف تتحمل الأجيال المستقبلية بها عبء سدادها وسوف تزيد هذه الأعباء إذا كانت هذه الأجيال أصغر وأقل عدداً.لذا يرى العديد من الخبراء والمتخصصين أن على هذه الدول الأوروبية ضرورة إصلاح سوق العمل بها وإعادة هيكلته، وكذا سرعة فحص حالات طالبي اللجوء والتي يجب أن تتصف بالسرعة والحزم والسخاء، مؤكدين أن من يخاطر بحياته عابراً للبحار والصحارى كي يصل إلى أوروبا لن يكون كسولاً، كما أثبتت كل الدراسات على أن المهاجرين حول العالم عادة ما تكون جاهزيتهم لبدء الأعمال التجارية أكثر وأسرع من السكان الأصليين، بالإضافة إلى مساهمتهم في تمويل خزينة الدول المستقبلة لهم ومن ثم في تنشيط وتنمية هذه المجتمعات.ويتخوف بعض من أبناء الدول المستقبلة خاصة تلك التي تعاني تفاقم مشكلة البطالة وانخفاض الأجور، من استيلاء هؤلاء اللاجئين على الوظائف المحدودة المتاحة خاصة بالقطاع الخاص، حيث يقبلون بأجور أقل.. وإن كان البعض الآخر يرى بأن هؤلاء اللاجئين يجلبون معهم مهارات وأفكارا وروابط تكميلية، ومن ثم فإنهم يساهمون في رفع أجور السكان الأصليين، وإن اتفقوا مع وجهة النظر الأولى في أنهم قد يخفضون من أجور بعض العمال المحليين غير المهرة.كما يشكك البعض كذلك من خطورة التأثير الثقافي والفكري للاجئين وعدم قدرتهم أو رغبتهم في الاندماج بمجتمعاتهم الجديدة في ظل تزايد أعداد العاطلين منهم عن العمل، وهو الأمر الذي بات يشغل بال السياسيين والمسؤولين الأوروبيين حول كيفية وإمكانية دمج هؤلاء اللاجئين بصورة مثلى؟، وتتمثل الإجابة على هذا التساؤل الصعب من وجهة نظرنا في توفير فرص عمل ورزق حقيقي لهم، كي يتاح لهم ولأبنائهم الأمان والأمل في غد أفضل، وخيراً فعلت الحكومة الألمانية حين قامت بترجمة دستورها إلى اللغة العربية وقامت بتوزيعه على لاجئي الشرق الأوسط.