19 سبتمبر 2025
تسجيلعيدكم مبارك جميعا.. أيها القراء الأعزاء.. الموجودون في قائمة الهاتف أو من يطلق عليهم "أسامي المنسيين" أقصد المنسيين فقط من ذاكرة الهاتف، وليس من ذاكرتي الحاضرة، مقدماً وفيروز تصبّح علينا بالحنين الخاطف من خلف الحنين الّي "ما بتعرف لمين؟" وهي تصدر الحنين قائداً للسير لأن القدم لا تقود الخطوات بل هو القلب، لذلك صدح المثل الشعبي المصري: "الرِّجل تدب مطرح ما تحب" وقِس عليها ما سواها.. استحضرت ذاكرة الهاتف لتقديم المعايدة، كما درجت عليها عادة البشر في مثل هذه المناسبة السعيدة، فوجدتها جافة جفاف التكنولوجيا، خصوصاً أنها تسرد أسماءً قد لا يكون لها اي دور في الحياة، سوى كونها مجرد رقم مثلها، مثل الدليل الأصفر القابع في كل بيت والمقدم مجاناً من شركات الاتصالات.. وربما نحاول بفرحة وحب، ولكن بكسل أدبي ولغوي، أن ندون معايدة بتمرير توقيع واحد للجميع في عصر السرعة، الذي ـ وللأسف ـ لست أرى فيه سوى رسمية المشاعر، خصوصاً إذا حدث أن تسلمت رسالة أول المعايدين وأعدت نسخها في ظل معطيات التكنولجيا الحديثة، بتدوينها مجدداً باسمك، وأخضعتها للتدوير على القائمة كلها.. لا تبرّئوا أنفسكم!! فهذه قصة تحدث للكثير، إن لم نقل للجميع.. فقط انتبهوا عند إجراء النسخ والتعديل لاسم المرسل أسفلها، فقد يحدث أن تأتيك من أحدهم رسالة تهنئة يوما ما موقعة باسم شخص آخر، غير الذي يحمل صاحب الهاتف اسمه وهويته!!.. لذلك اعتبر دائماً معايدة القائمة الأوتوماتيكية بضغطة زر مجردَ "رسالة كسولة" أو مصنعاً ينتج كمية مغلفة من ذات المنتج، حتى لو كانت صورة مدفوعة الأجر تنتجها شركات تزينها باسمك البراق لتسهل دوران الواتس اب.. حزنت ان تكون التهنئة منتجاً يفتقر الى الروح والإبداع، ولكن فرحت أيضا أن مازال البعض كريماً على الأقل بها في زمن، تداعى فيه الوصل والمواصيل، رغم بخل الكثيرين بهذه المشاعر الطيبة حتى على مستوى رسالة عابرة أو منسوخة او مدوّرة رغم كسلها!! ناهيك عن ان تكون معايدة نابضة.. أعني أن تكون متفرّدة الصياغة والإحساس مصدرها القلب لا اليد. في الوقت الذي مازال الهاتف في يدي متصفحة قائمة الأسماء من الألف إلى الياء، مازالت نغمات فيروز تغني بحزن: "الدمع يغرقني بأسامي المنسيين" فكنت على عكسها "أغرق دمعاً بأسامي الحاضرين"؛ وللحضور نوعان، بكيت لأكبره وأصعبه عندما مررت على اسم والدي "رحمه الله" في قائمة هاتفي، وهو أغلى وأقرب حاضر دائم.. ومررت على زملاء أعزاء مازالوا في قائمتي، ممن لا استطيع ان اطلق عليهم قوائم المنسيين رغم موتهم.. فذاكرتهم حاضرة لا تغيب، فجدّدت لهم الدعاء بالرحمة في هذه المناسبة العظيمة.. كانت صديقتي بجانبي عنما ظهر اسم زميلتنا المتوفاة في قائمة هاتفي، فأشارت علي أن أمسح أساميهم على حد نصيحة النغمة "عديت الأسامي ومحيت الأسامي" حتى لا تتحول مناسبة سعيدة للبكاء.. وانا رغم الدموع أقول: "لا" "أبداً هؤلاء هم الغائبون الحاضرون.. الذين تقنع بغيابهم رغم حضورهم، مسلماً بالقدر. أما الحاضرون الغائبون.. فموت شعورهم أشد وقعاً حين لا تفلح ذاكرة الهاتف من تغييبهم، ولا حتى ذاكرة العقل الباطن، لأنهم ببساطة في ذاكرة ما أسميه "القلب الباطن" وإلا لَمْ يجشّم الشعراء أنفسهم عناء كتابة قصائد موشّحة بالدمع على "منسيين"، فالنسيان لا يستلهم الحضور ولا الدمع أبداً.. و"نامي يا عيني إذا راح فيكي تنامي"، في مثل هذه الليلة.. سأغلق أمر نغماتها، خصوصاً وأنها بسذاجة لن تنام، لأنها أمرت العين أن تعدّ، وأمرت العين أن تمسح، وأمرت العين أن تنام.. بل ونادت موجبات الصّحو لا النوم.. وكل ذلك ليس من أمر العين لأن للقلب "عيون سهرانه ما بتنامش". ولأن الدنيا عيد.. ولأنني استحضر بودّ كل قائمتي الهاتفية والقلبية في هذه الليلة الفريدة، أترككم مع الأمل الواعد في رائعة "أم كلثوم: (يا ليلة العيد آنستينا.. وجدّدتِ الأمل فينا.. يا ليلة العيد).. وكل عام وأنتم حاضرون بقوة وتفاؤل وحب ّوخير.