29 أكتوبر 2025

تسجيل

تمرد الفكر يؤدي إلى اختلال التوازن

14 أكتوبر 2012

إذا أطلق الإنسان العنان لفكره ولم يضع حداً للتجاوز أو بمعنى أدق لم يقنن أفكاره في سياق متوازن مع العقل، فإن حالة التمرد ستنشئ زخما هائلا من تصورات لا تصل إلى حد اليقين بقدر ما تفرز شكوكا من شأنها إضعاف الإنسان وإسقاطه ووقوعه في فخ المكابرة، لأن الوهم لا يمكن أن يكون حقيقة والحقيقة لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، بل إنها استشعار يملأ الفؤاد قناعة ويمنحه السكينة والطمأنينة، وهذا بطبيعة الحال يبين ضعف الإنسان في عدم الوصول وإدراك ما سيحدث وعلم الغيب رهن للخالق تبارك وتعالى علام الغيوب، غريب أمر الإنسان هذا الضعيف الذي لا يزيده غروره إلا انتكاسا على عقبيه ففي حالة ضعفه ومرضه وإذا حلت به نائبة يستكين ويركن إلى خالقه متوسلا إليه بأن يفرج كربته حتى إذا شفي وعافاه الله عاد قويا متناسيا بأنه كان بالأمس من الضعف كسيرا طبقا لنشاط إبليس اللعين وتغلغله في قلبه وجوارحه ولم يدرك أن ما أصابه من ضعف ومرض ابتلاه الله به، إنما هو امتحان لقوة صبره وإيمانه بربه، والخالق تبارك وتعالى شديد العقاب وسريع الحساب قال تعالى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)، وإذا لم يتحكم العقل بالمدارك ويوقف سطوة المشاعر فإن هذا يؤدي إلى تزعزع في القيم وتخلخل في الأخلاق وبالتالي السقوط في أخطاء ليس فقط تأنيب الضمير ما يؤرق مقترفها، بل إنها لا تتوانى في زيادة حسرته وكآبته وهو يئن من وطأة المرض إذا داهمه حينها بأي منطق يدعو ربه، وهو الذي أضحى طريح الفراش ربما من دعوة مظلوم بلغت مالك الملك وهي التي ليس بينها وبين الله حجاب، أخطاء البشر تؤذي البشر ومن كتاب الله نستلهم العبر، وفي هدي نبيه ما يزيل الهم والكدر. فإذا كانت الآلة وهي التي من صنع البشر قد أحكمت قبضتها وأسهمت بشكل أو بآخر في غرور وغطرسة الإنسان، إلى الحد الذي يجعل المشاعر تتجمد والأحاسيس تتبلد، فإن الشعور بالمسؤولية والإنسانية يتلاشى ويتبخر في تضليل وتعتيم يسهم في نسجه وصياغته وبسط سيطرته أعداء الإنسانية، فهم لا يريدون خيراً للإنسان، بل هم الشر، وتقدم الأمم لا يقاس في عدتها وعتادها وتطورها بقدر ما يقاس في أخلاقها، ولكي يكون العقل وهو مكمن قوة الإنسان في خدمة الإنسان فإن هناك قيودا على استخدامه، من هنا نزلت الأديان السماوية لكي تسخر هذا العقل في بناء الإنسان لا في تدميره، بل وتهذيب سلوكه وتعريفه بخالقه، والسبل الكفيلة لكسب رضا الخالق، وتجنب غضبه قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الْإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}، وحينما تجنح المكابرة بالعقل، ويبطش سوء التقدير بالفكر، فإن الضياع هو المحطة التي سيرسو فيها من فقد عقلة وتلوث فكره، ولو أن الأخطاء تعالج بالأخطاء لما بقي طالب واحد في مقاعد الدراسة، ولولد الإنسان كبيرا مدركاً الصغير يتعلم ممن يكبره في السن والجاهل يتعلم من المتعلم، والغافل ينبه، والمتجاوز يزجر، والمخطئ يعاقب، واستخلف المولى الإنسان بالأرض التي لم تحملها الجبال وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً، ومن نعم المولى جلت قدرته بأن قيض للخير والحب والمودة والرحمة أناساً قدروا الله حق قدره، وإذا قدر الله للإنسان أن يبلغ من القوة ما يشبع غروره في الفتك بالبلاد والعباد، فحري به أن يتذكر قدرة الله عليه وأنه قادر سبحانه بأن يسلب هذه القوة منه في طرفة عين، ومهما بلغ الظلم أوجاً، وشكل الشر فوجاً، واعتقد الظالم بأنه الوحيد في الساحة ولا أحد يراقبه أو يحاسبه فإنه قطعاً مخطئ في تصوره، بل سولت له نفسه الأمّارة بالسوء هذا الأمر، وتباين البشر واختلافهم في معايير القوة أو العلم أو الأدب فإنها حكمة أرادها الخالق جل وعلا، ولا يقتصر الظلم على العمل بل إنه يشمل القول أيضا، فقد يسوغ القول التبرير لتمرير الظلم حتى يخاله الظالم حقا ليمارس الإجحاف في حق نفسه لعدم تثبته وتحققه ويطال الآخرين وإقحامهم في دائرة شكوكه وظنونه التي لا تستند على بينة أو دليل واضح. رسائل إلى كل من: العقل: أنت القائد والإبحار بالسفينة يعتمد على مهارة ربانها في مواجهة الأمواج المتلاطمة لكي ترسو بإذن الله في شاطئ الأمان والاطمئنان. القلب: ما أجملك مطمئنا مفعما بالقيم النبيلة والمعاني الفاضلة، وما أحوجك لتقنين العواطف ومقايستها بدقة وفقا لما يتطلبه كل موقف من دون إفراط ولا تفريط. الصبر: أنت ولا أحد سواك يعتمد عليه بعد الله فأنت من يمهد طريق النجاة لكي ترجع النفس إلى خالقها مطمئنة راضية مرضية. الحكمة: مهما بالغت في إطرائك فإني لن أوفيك حقك فما تستحقينه يفوق أي وصف أو تعبير، قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}. الهدوء: ما أروعك، وأنت تكبح جماح السوء وتلجمه. التسرع: دورانك في مضمار الشر لن تجني منه سوى الذل المقيم والخسران المبين. الإيثار: أين أنت لم نعد نراك أو نسمعك وأرجو ألا تكون قد ارتبطت بالآثار. الغلظة: قسوة القلب تنفير من دين الله العنف: ما ورد عن نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم في الحديث الشريف (ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) نبراسا مشعاً مضيئاً. التسامح: قال الشاعر: وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى وفارق ولكن بالتي هي أحسن المروءة: سئل ابن شهاب الزهري عن المروءة فقال: (اجتناب الريب، وإصلاح المال، والقيام بحوائج الأهل) الحماقة: قال قيس بن الخطيم وبعض الداء ملتمس شفاه وداء الحمق ليس له دواء