17 سبتمبر 2025
تسجيلمن فضائل شعبنا المصري المعروفة، أنه شعب عاطفي، ما أن تحدث كارثة أو تحل مصيبة حتى تتكاتف جماهيره، وتتألف قلوبها، وتتناسى آلامها، وترتفع فوق أزماتها، وتتغلب عليها بالصبر والتسلية والتسرية، وهذا ما يجعل الناس قادرة على الحياة برغم المحاولات المستميتة "الذكية " التي تستهدف هذه الروح المعنوية، وبرغم انهيار المئات ولجوئهم إلى الانتحار عجزا عن الاستمرار، ولو أن أولئك المنتحرين تحلوا بالصبر والمصابرة، وجددوا تفكيرهم، واستدروا ذكاءهم لألهمتهم فطرتهم آلافا من الحلول لمشكلات الغلاء التي أخرجتهم من صوابهم ودفعتهم إلى الانسحاب قبل اكتمال المباراة.فمثلا : غلاء أسعار الحديد، يئن منه ملايين لا صلة لهم بالبناء والتعمير، ويستكثرون على مواطن شريف مكافح أن يحتكر الحديد ويوالي رفع أسعاره – كأنها لعبة – أسبوعا بعد أسبوع، وقل مثل هذا عن اللحم والدجاج والسمك والأسمنت .فما الذي يضر المواطن من رفع أسعار تلكم السلع؟ في الحقيقة أنا مندهش ومستغرب ومستنكر جدا لهذه المناحة التي ترفعها فوق رؤوسنا يوميا منى الشاذلي ومحمود سعد وأمثالهما من مقدمي برامج (التنكيد) على هذا الشعب السعيد..!!!ما لأهلنا نحن وما للأسعار؟!! فليرفعوا ما شاءوا ومن لا يعجبه سعر سلعة فليقاطعها أو فليستبدل بها غيرها !!فمثلا : من لا يعجبه الخبز فليأكل بسكويتا، ومن لا يعجبه سعر الدجاج فليأكل لحم غزال، ففي بلادنا – لمن لا يعلم – مئات المزارع المتخصصة في تربية الغزلان لأن لحومها (فيما يقال) أشهى وألذ، فمن لم يجد، فعليه بلحوم الحمام، فمن لم يجد فليخرج للصيد والقنص؟ هل منعه أحد من الصيد في الغابات؟ هل احتكر أحد الغابات؟ثم هؤلاء الذين ينوحون من ارتفاع أسعار اللحوم، ماذا يريدون غير تعطيل (المسيرة) وتهديد (الإنجازات) وتشويه معدل النمو الذي وصل إلى 7% ومازالوا لا يحسون به!! عليهم – لو كانوا مصريين وطنيين ديموقراطيين حقا – التوقف عن التشكيك وعلى من لا يعجبه سعر اللحوم أن يتوقف عن أكلها، دون لت وعجن وصراخ وعويل .. !!قاطعها في صمت، والجأ – أخي المواطن – إلى الأسماك، فإن لم تجد فعليك بالجمبري، فإن لم تجد فعليك بالاستاكوزا، فإن لم تجدها فعليك بالصوم فإنه صحة لك وعلاج أكيد لمشكلات السمنة والكبد والكلى. فإن لم تطق عن اللحوم ابتعادا، فعليك بالمطاعم التي تقدم لحوم الحمير، فمن ذا الذي أكل لحم حمار ثم تضرر منه؟ من عشرات السنين وتلك المطاعم سادرة في غيّها، تقدم لحوم الحمير صنوفا مختلفة ألوانها، والناس يأكلون ويتجشأون ويحمدون ويشكرون ويخرجون ويدخلون وهم كالعفاريت صحة وقوة وذكاء وانطلاقا وتفاؤلا . فمالهم إذا حدث خلاف بين شريكين ولفقت لتلك المطاعم والفنادق قضية غش تجاري، وذاع وشاع أنها تطعم الناس حميرا، هاج الإعلام وماج وطبل وزمّر وأوسع تلك المؤسسات الوطنية تشهيرا وتوبيخا، وكأن هذا يحدث لأول مرة . ثم هؤلاء الذين ينوحون من ارتفاع أسعار الحديد، هل كان بقية أهلهم مقاولين؟ تعاقدوا عقودا عجزوا عن تنفيذها؟ أبدا، أبدا، إنما هي (شرذمة) من الكتّاب والصحفيين والإعلاميين أدمنت العويل، وتتحسن صحتها بالنواح والصراخ ولطم الخدود وشق الجيوب، هل يريدون من الحكومة أن تحتسب الحديد سلعة استراتيجية فتقدمه بالرقم القومي: سيخا لكل مواطن، وما عسى أن يفعل هذا المواطن بالسيخ؟ !! كيف سيتخذ منه (إن كان بلطجيا) مطواة قرن غزال؟ وكيف سيبني به شقة إن كان مقدما على الزواج؟ فالسيخ لن يبني شقة ولا يصنع بابا، لكن المصريين سيؤلفون جمعيات أهلية فيما بينهم، فالأسرة المكونة من خمسة أفراد سيكون لها خمسة أسياخ مدعومة شهريا، فتتجمع عشر أسر من ذوات الأسياخ الخمسة فيتألف من ذلك نصف طن، ونصف مع نصف يتكون سقف فسلم فعامود فتأتلف شقة فيتزوج عريس بمعدل عريس كل ثلاثة أشهر، وكما قال شاعر الحلمنتيشي رحمه الله :وقرشُ على قرش ٍ يصيران حتةَبخمساءَ، في يومين تمسي عشرشراهل يريد أولئك الشكّاؤون البكّاؤون من حكومتنا أن تعلن هذا الشعار : [ سيخ لكل مواطن- سمكة لكل مواطن – ورك أو صدر لكل مواطن – حتة كبدة لكل مواطن – حمامة لكل مواطن – كوب عصير لكل مواطن – علبة دخان لكل مواطن]إن الذاهبين هذا المذهب من التفكير يغالون في الأحلام، ويسيئون الظن بطاقة الحكومة الذكية، التي منعت – بقرار مصيلحي عظيم صدر العام الماضي – نفسها من شراء القمح من الفلاحين فباعوه للمستثمرين، ثم ذهبت هي – بذكائها الخارق – لتشتريه ممن اشتروه من الفلاحين فوجدتهم قد احتكروه ورفعوا سعره وطحنوه وباعوه للمخابز التي تصنع الخبز الفخم والحلويات، فاشترته منهم بالسعر الذي فرضوه، وتكبدت ملايين الجنيهات زيادة ذهبت لجيوب المحتكرين، فلما قامت القيامة ولم تجد المطاحن ما يكفي، لم تثب الحكومة لرشدها وتلغي قرارها الذي يضاعف دخول المحتكرين. ولم تقبل تلويث يدها النظيفة بالشراء من (الرعاع) الفلاحين مباشرة، بل افتعلت معركة وهمية مع بضعة أجولة تسرق هنا وهناك في بعض المخابز واخترعت مقولة (فصل البتاع عن البتاع) اتوهم الناس أن الأزمة لا علاقة لها بعدم شراء القمح من الفلاح وتقديمه بسعر مدعوم للمطاحن، وإنما الأزمة كلها تكمن في تلك الأجولة المسروقة !! ( شفت النباهة ؟)ثم ما هذا الذي يريده هؤلاء المتشائمون؟ أتوزع الناس الأسياخ للناس حتى يرضوا عنها؟ أتتدخل الحكومة بين المنتج والمستهلك؟ حاشا للاقتصاد الحر!! وكبر مقتا عند أذناب الرأسماليين الجدد أن تحول الحكومة بين منتج ومستهلك، فالعلاقة بينهما قائمة على التفاهم والتراضي !! فإن أمن بعضهم بعضا، أو سرق بعضهم بعضا فما شأن الحكومة بذلك؟ أليست هذه هي آليات – لا مؤاخذة – السوء؟ [ بعضهم يخطئ فيكتبها "آليات السوق" ]بصراحة، هذا إسراف من الناس في أحلام اليقظة، وسوء فهم لدور الحكومة، وتحميل للبرلمانات فوق ما تحتمل، فعلى هذا الشعب – كما قال السادة رؤساء تحرير الأخبار والأهرام والجمهورية السابقون – أن يتحمل "مسؤولياته التاريخية " ممثلة في : 1- الحمد والشكر، والصبر- كما قال أحد الشيوخ إجابة عن سؤال حول الغلاء -2- الرضا بالقليل لأن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى3- الخروج للصيد والقنص والتمتع بالطبيعة الساحرة .4- التمتع بفن عادل إمام (الهادف) – بالدال - !!5- التمتع بالنظر إلى أزياء عجائز مذيعات القناتين الأولى والثانية – والعياذ بالله –6- التمتع بتأمل كليبات المطربين الجدد الذين يغنّون بكل أجسادهم ماعدا أصواتهم.7- العودة إلى الطبيعة (اتخاذ خيام بدلا من زحام بناء الشقق) ما سبق كان تقريرا تفتق عنه ذهن أحد رواد مقهى (السعادة) واستحلفني برحمة أموات أهلي أن أطرحه على قراء (الأحرار) وهأنذا قد فعلت، وأعد بأن أنقل للمقهى كل تعقيبات القراء بكل أمانة، تمهيدا لعقد جلسة مشتركة تجمع المعقبين ورواد المقهى للوصول إلى حلول مرضية لمشكلة هروب الحضري..!! لأن هذه المشكلة هي الأولى بالاهتمام وإن جهل الجاهلون..!! [email protected]