12 سبتمبر 2025

تسجيل

«ما قل ودل» كمنهج نحو الكتابة الإبداعية

14 سبتمبر 2023

كتاب يعرض فيه كاتبه جملة من الخواطر تحيط بأجواء الكتابة، اعتمد فيها لغة فلسفية تسبر جوهر الكاتب، وفعل الكتابة، والكلمات، وما بين السطور! ففي استهلاله، يفترض أن كل ما تم التعارف عليه عن «كيفية عمل الكتابة» ليس إلا «تصورات خاطئة» بل «وضارة أيضاً»، حيث يعتقد أن معظم الناس يظنون أن ثمة «طرائق خفية غير منظورة» تتم من خلالها عملية الكتابة! بيد أن الأمور التي تعرض لهم في أدمغتهم دون التيقن من مصدرها وكيفية حدوثها، تكون محل ثقة كبرى لديهم.. ما يدلّ على وجود إشكالية كبرى حول مفهومي «الإبداع والعبقرية». ومع هذه الفرضية، يؤكد الكاتب أن ما تلقّاه عن الكتابة - كغيره من الكتّاب - تم أصلاً عن طريق «التجربة والخطأ»، فقد كان عليه أولاً اجتياز حدود التلقين الأكاديمي الذي لم يكن مجدياً في الأساس، ومن ثم تعلّم أسس الكتابة الصحيحة شيئاً فشيئاً.. وكل ذلك تحصّل عن طريق حب اللغة، وعمر طويل أمضاه في القراءة، «وأتت البقية من سنوات من الكتابة وتدريس الكتابة». ومع هذا اليقين، والحق الذي أعطاه لنفسه في نبذ ما تعلّمه سابقاً وتعليم نفسه بنفسه مجدداً، يعطي القارئ نفس الحق ويدعوه لفحص كتابه هذا، وأن يقرر بنفسه ما يصلح له وأن يتجاهل ما دونه، فليس كتابه مقدّساً ولا يضم مبادئ ملزمة، بل إنه يحرّضه على مخالفته ومقارعته بالحجة. فمن خلال كتابه (بضع جمل قصيرة عن الكتابة)، يعرض الكاتب والأكاديمي الأمريكي (فيرلين كلينكنبورغ) عددا من الجمل القصيرة عن الكتابة، تأتي بمثابة إرشادات مبدئية، تهتم بتوضيح الفكرة التي تعتمل في المخيلة، وإيجاد أسلوب متفرّد في الكتابة، وتعنى باكتشاف «ماذا يعني أن تكتب؟». وعن مراجعته، فتعتمد على طبعته الأولى الصادرة عام 2018 عن (دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع)، والذي عني بترجمته من لغته الأصلية القاص والشاعر والمترجم الليبي (مأمون الزائدي)، وهي تشتمل على بعض الاقتباسات بما يخدم النص (مع كامل الاحترام لحقوق النشر): يعتقد الكاتب أنه «من السهل أن تقول ما تود قوله في جملة قصيرة».. كنهج واضح في الكتابة. فعلى الرغم من التلقين الذي تلّقاه الكتّاب في السابق عن (طفولية) الجمل القصيرة، وأنها «مجرد خطوة أولى نحو كتابة جمل أطول»، إلا أنها «ببساطة تقول قطعتها وتترك المسرح». أما عن ظرف الكتابة، فيجب التعلّم بأن للكتابة أن تتم في أي مكان وأي زمان وتحت أي ظرف، إذ إن «كل ما تحتاجه حقاً هو رأسك». لذا، يعتقد الكاتب أن ما يتصوّره الكتّاب حول طقوس الكتابة وأجوائها، مثل: كوخ وسط غابة، هدوء تام، حبر خاص، قلم مفضّل، ضوء قمر، عاصفة رعدية، شاي أخضر، مائدة وكراسي ووسائد.....، إنما هي عوائق تعرقل غرض الكتابة في حد ذاتها. غير أن الاستعجال في إتمام الكتابة، والانتهاء من حظوة الأفكار الآخذة في التدفق - وكأن لا نهاية لها - يولّد شيئا من العصبية، رغم أن الاسترسال في حبل الأفكار قد يقود إلى التفكير من زوايا معينة تقود إلى بدايات جديدة، «فإن من شأن ذلك أن يجعل قطعة مختلفة تأتي إلى حيز الوجود».. فلا خوف إذاً من اتّباع طريقتين لتناول موضوع ما، ولا يجب الاعتقاد بنهج بعينه، ولا بأس من الانقطاع عن الكتابة أثناء الكتابة. ثم يتحدث الكاتب عن (إغواء القارئ) الذي تم التعارف على تزامنه مع الكلمة الأولى والتي لا بد أن تأتي مثيرة.. كاعتقاد خاطئ. فيقول: «ورغم ذلك، ما زلنا نعتقد أن الموضوع هو كل شيء! نحن نعتقد أن الكاتب هو قصته، وأن سلطته تعتمد إلى حد ما على ما حدث في حياته! يضج الناس لسرد قصصهم في الكلمات، وهذا لا يجعل منهم كتّاباً، ولا يجعل قصصهم ذات أهمية. إذا كنت أنت هو قصتك، فمن أين ستحصل على أخرى؟ إذا فهمت كيفية بناء الصمت والصبر والوضوح في نثرك، ‎كيفية بناء الجمل التي هي رشيقة وإيقاعية ودقيقة ‎ومليئة بالتصورات، ‎يمكنك حينها الكتابة عن أي شيء، حتى نفسك». ثم يأتي الكاتب ببعض الاقتباسات من منشورات مختلفة، كأمثلة تطبيقية للنقد، فيعمد إلى تحليل الإشكالية في النص، وتصحيحها على طريقته. يقتبس منها: ‎»المرأة في الثانية والعشرين، جلدها لوحته الشمس مثل الذي لزوجين ‎متقاعدين من ولاية فلوريدا».. فيعقّب ناقداً بغرض التصحيح، قائلاً: «‎يا لها من امرأة غريبة! أن يكون لها جلد زوجين متقاعدين من فلوريدا في حوزتها. كيف يمكن لجلدها الذي لوحته الشمس أن يشبه ذلك الذي للزوجين؟ لماذا تقارن مع شخصين؟». ختاماً أقول: نعم، قد يكون ملهماً أن يتساءل أحدنا عن خاطرة لاحت له لوهلة ما، إذ لا تكمن الجاذبية فيما لاح فجأة، بل في كيفية وصوله إلى الفكر والاهتمام.. من مكان لآخر.. من تيار متدفق للأفكار إلى توقف مفاجئ.. فتحلو الملاحظة لبرهة ثم لتمضي بعد ذلك.. وقد استعان الكاتب بهذه التقنية في حياته، إضافة إلى كتابة جُمله القصيرة عن الكتابة.