07 أكتوبر 2025
تسجيل"من حق الحكومة أن تعمل ما تراه مناسبا للحفاظ على أرواح المواطنين"، عبارة قانونية جميلة، فليس هناك ما هو أغلى من ارواح المواطنين لمجتمع ينشد التقدم والتطور وسيادة القانون، واعتبار قيمة المواطنة القيمة العليا فوق كل القيم. ولكن السؤال كيف؟ هناك طريقان لا ثالث لهما لتحقيق ذلك، الطريق الاول إيجابي، والطريق الاخر سلبي، وكلاهما يحقق اسلوبا للمحافظة على أرواح المواطنين، الأول يتمثل في إعلاء قيمة المواطنة والمواطن، والآخر يتمثل في تفريغ المواطنة من قيمتها وتحديد حركة المواطن للحفاظ على روحه عن طريق إفراغ جيبه، بحجة الخوف عليه. سأعرض هنا نقطة مهمة حول (كيف ساعدت ادارة المرور "كمثال" لا شعورياً بإيجاد ثقافة جديدة في المجتمع هي ثقافة "الترصد"). تفننت إدارة المرور في وضع الرادارات بمسمياتها المختلفة، الجوال والمخفي والمتلصص سابقاً، وأعتقد الآن أنه لم يعد هناك مخفي أو متلصص على ما أعتقد، لكن بقيت آثار ذلك عالقة في وعي المواطن وفي شعوره الباطن. ما الذي أحدثه رادار التربص في ذهنية المواطن؟ عَملَ على زيادة فقدانه للثقة في حكومته، وبالتالي انعكس ذلك على ادائه في عمله بلا شك وسيتربص بها كما تتربص به لا شعوريا، أنظر الى علامات المرور في الاحياء والطرق كيف لُعب بحروفها، كيف اصبحت كلمة "مطب أمامك" الى "ضب أمامك"، وكلمة "أمامك" الى كلمة "أمك"، هذا موجود ومشاهد، هذا جزء من رد الفعل لأفراد من المجتمع. أين دوريات المرور التي تراقب السرعة على شوارعنا الكبيرة، كما كان الأمر في سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم؟ كيف كانت تلاحق المخالفين وتستوقفهم وتسحب رخصهم. رأيت مرة سيارة متوقفة على قارعة الطريق فوقفت بجانبها، فإذا برادار موضوع عند جانبها الايمن وبجانبه شخص على طريق دخان، فذكرني بحيلة كنا نستخدمها لنصطاد الطيور وهي "الخَتال"، الحكومة "تختل" الشعب لتوقعه بدلا من أن تظهر له صورتها القانونية في سيارات تجوب الشوارع الكبيرة كشارع دخان او الشمال او غيرهما، فوقع في نفسي ذلك المنظر وقعا سيئا، لاحظ الكثير - وأنا أحدهم في فترة سابقة ارجو ان ذلك توقف اليوم - أن رادار التربص ينشط مع نزول الرواتب، شيء جميل ورحمة تشكر عليها ادارة المرور وتقسط الجزاءات المتراكمة فندعو لها، وتؤجل المواعيد فنشكرها، ولكن كل ذلك يقع خارج اطار الثقة في القانون فلا نبني ثقة بقدر ما تهدم علاقة. فكرة رادار الترصد ليست فكرة مرورية، إنها فكرة الحكومة الأمنية، لكنها أصبحت ثقافة مجتمعية مع الأسف. أين رادار التربص من غلاء الاسعار الذي أهلك ظهر المواطن، وجعله يعيش الشهر أياما قليلة وبقيته في حفرة من الدين والاعسار؟، أين رادار التربص من هذه الزيادة الجنونية في اسعار السيارات التي لا مثيل لها في دول المنطقة؟ مثلاً والامثلة كثيرة على تجاوزات تحتاج تربصا لتطبيق القانون ليس على المواطن بقدر ما هي لحمايته. نحيي حرص حكومتنا وادارة المرور بالخصوص على أرواحنا الغالية عليها، ولكن يجب التيقن ألا يكون ذلك على حساب جيوبنا وقوتنا لأولادنا، إدارة المرور تأخذ بالحل الاسهل والأضر بالمواطن، وهو تكثيف الرادارات وزيادة رادارات التربص، وهذا في اعتقادي ليس نجاحا، النجاح أن نجد حضوراً لشرطي المرور في وعي المواطن كما في السابق. المرور وغيرها من إدارات ووزارات الدولة تحتاج الى بناء الثقة بينها وبين المواطن، هذا في حد ذاته أكبر نجاح لها، لا تجعله يبحث عن الثغرات بينما هي تبحث عن الفرص والفجوات، ليجد المجتمع ذاته في وضع لا يحسد عليه أخلاقياً. [email protected]