10 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يحلّ العيد يكون مختلفا في نظر السوريين ونظر الشعوب التي تعاني من ظروف غير مستقرة، مقارنة بحلوله في ديار شعوب عربية وإسلامية أخرى، فالأوضاع الإنسانية الصعبة والمؤلمة تفرض نفسها على مزاجهم العام، سواء كان سقوط الضحايا وفقد الأحبة، بسبب القصف المتواصل للمدنيين، حتى قبيل حلول العيد، وموعد هدنة مرتقبة، أوترك الديار والبعد مرابع الأهل والأصحاب نزوحا ولجوءا، أو انعدام الأمن والأمان، وصعوبة الظروف المعيشية، وما يرتبط بذلك من مستجدات راهنة. العيد لدى أهل الشام في ظل أزمتهم المتجددة، جراح تُنكأ وآلام تستيقظ، وآهات تطلق، حتى وإن حاولوا أن يتساموا على جراحهم ويتجلدوا ـ على الأقلّ ـ أمام الصغار من أبنائهم وذويهم، حتى لا يفسدوا عليهم فرحتهم بالمناسبة. قمتُ في جولة سريعة على صفحات مجموعة من السوريين على شبكات التواصل الاجتماعي في يوم وقفة عرفة وصبيحة يوم العيد لمعرفةٍ أكثر دقة للحالة التي تعتري نظرتهم للعيد، وهأنذا أقدمها لكم، بكل ما يعتملها من غصص وآلام وآمال، فالمؤمنون في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم ـ خصوصا في مثل هذه الأوقات ـ "كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"، كما جاء في الهدي النبوي. ثمة من يعتبر أن العيد لم يحن ميعاده بعد لأنّ "عيدنا يوم ينتقم الله من المجرمين قتلة الأطفال"، وثمة من يعتذر من العيد، ويرى أنه "طالما هناك دموع بأعين السوريين، فالمعذرة من العيد لأنه ليس لنا".وتمتلئ المنشورات والتغريدات بدعوات للمولى عزّ وجل بأن يغيّر الحال لأحسن حال حتى يكون للعيد طعم مختلف عن الحزن والمعاناة، فأحدهم يكتب "نسأل الله عيدا يحلّ دون أن تكون هناك شعوب بأكملها تحت الخيام أو الحصار، أو تنتظر دورها بالموت، ولا تكون زيارة المقابر فيه أول أعمالها"، ويدوّن آخر دعاء جميل جاء فيه: "أسأل الله أن يكون هذا العيد بشارة فرج لكم من كل همّ وحزن؛ وأن يجعله عيدًا مباركًا على كل الناس" وآخر يدعو للشعب المصابر في سوريا وكل بلد يرزح تحت الظلم بـ"بالحرية والكرامة والأمن والأمان"، وأن تكون "الأيام القادمة أفضل من التي ولّت".وتعكس الغربة نفسها على الذين اضطروا لمغادرة بلادهم قسرا، وتلقي المناسبة بظلالها القاسية على قلوبهم الحزينة، فهذا يكتب في تغريدة له: "كلّ الأيام متشابهة بعيدا عن سوريتنا، لا فرح كالفرح فيها، ولا عيد كعيدها"، فيما يعيّد أحدهم على والدته التي تعد أغلى من يفقده المرء، ويحن إليه بقوله: "عيد أضحى مبارك للثوار، ولأمي الحبيبة وأهلي في عيد سادس بعيدا عنهم". ويستحضر السوريون المجازر بحق المدنيين والتي لم تجف دماء العديد منها بعد، ومنها مجزرة السوق الشعبي بسراقب/ريف إدلب فيكتب أحد المتأثرين بالحادثة قائلا: "تصور أنك أنت، أو أحد أبنائك، أو أهلك يجهز ما تيسر للعيد، وبظنك أن سوقا شعبيا قد تتوافر به بعض الحاجات، بسعر أقل في ظل جنون الأسعار... فإذا بك وقد وجدت نفسك فجأة أمام انهمار الموت عبر صواريخ لا ترحم.. ليتحول الكثير منهم إلى أشلاء متناثرة في كل الاتجاهات؟ ترى أي عيد هذا؟ وأي هدنة هذه؟".ويعلّق أحدهم على حضور رأس النظام لصلاة عيد الأضحى في مسجد سعد بن معاذ بداريا بعد أن أجلي ثوارها وسكانها المدنيون عنها مؤخرا، عقب حصار ومكابدة وصبر وجوع لأكثر من ثلاث سنوات، موجِّها الحديث له مباشرة: "بعد أن هجّر النظام (بتشديد الجيم) أهلها الذين كل ذنبهم أنهم خرجوا يطالبون بحريتهم وكرامتهم لن يفيدك هذا الفيلم بشيء..سترحل يعني سترحل". فيما قال آخر بنبرة متهكمة: "كل عام وكل من ينتظر رئيسًا يصلي العيد في الجولان لا قزمًا يصلي بداريا بألف خير". هذه بعض المشاهد التراجيدية والثائرة لواقع السوريين بالعيد الراهن، ولكنهم رغم كل ذلك يواجهون الأعياد في ظل أزمتهم التي مضى عليها أكثر من خمس سنوات بصبر واحتساب، وحالة فرائحية إنسانية وإيمانية راقية، وأمل بغد أفضل.