10 سبتمبر 2025

تسجيل

بيئة حساسة

14 أغسطس 2023

على الرغم من الفضاء المفتوح للنقاشات والمنصات الرقمية المفتوحة والمحاضرات والمؤتمرات والندوات والمناهج التي تُعلِّم طلبة المدارس والجامعات أهمية التعبير عن الذات، ورغم شعارات الحرية الفردية وتنمية المهارات الحياتية والتحلّي بالثقة بالنفس، إلا أن معدلّات الحساسية تجاه تسمية الأشياء بمسمياتها ترتفع في البيئة السياسية والاجتماعية والمهنية وحتى العلمية بشكل مريب، بحيث أصبح توصيف الوقائع، وذكر الحقائق مسألة في غاية التعقيد، تتطلب التمييع والتأويل والتضليل و«تدوير الزوايا». الأسلوب الحسن والمجادلة بالتي هي أحسن واجبة، واحترام آراء الآخرين، وأدب الحديث من الواجبات الإنسانية، التي تعكس عقلية المرء وتربيته، وأخلاقه، والبيئة التي نشأ فيها، وخياراته في هذه الحياة، فالحديث مع السفيه غير الحديث مع العاقل الحكيم. ولكنَّ موضوع «التحسس من الوقائع» بات يُشكّل خطراً على العقول والمجتمعات على حدّ سواء. فتروية الحقائق أدّت إلى ارتفاع معدلات التوتر، والقلق، والاكتئاب، وإدمان أغلب الناس على المهدئات كي لا «يجرحوا الآخرين»، حيث القلق من ردّة فعل الناس تجاه بعضهم البعض أصبح همّا يومياً سواء في المكاتب، أو في الطرقات، وحتى في العيادات الطبية والبيئة الأكاديمية، بحيث أصبح الطالب الذي يصف صديقه «السمين» في موضوع الإنشاء متنمراً، والطالبة التي تصف صديقتها بالـ«طويلة» في مادة التعبير غيورة، كذلك الأمر داخل البيت الواحد، الأخ يتحسس من كلمة الوالد، والأخت تنتظر كلمة لتنفعل من والدتها. وأكبر مثال على الحساسية من الوقائع، هو ما نراه في وسائل التواصل الاجتماعي من معارك ومشادات كلامية، بسبب نقاش سياسي أو فكري أو ديني أو حتى اجتماعي. إذا صنّفت هذا النظام السياسي بالعلماني، تصبح كافراً مشجعًا للإلحاد. وإذا كتبت عن حرارة الطقس تُتهم بتشويه سمعة السياحة، وإذا أقرنت السلاح بالترهيب فأنت خائنٌ وعميل، وإذا طرحت سؤالاً عن كيفية تطبيق الإستراتيجية الإدارية فأنت معارض للمدير، وتضعه في خانة الاستجواب. «التحسس المفرط» هو مرض العصر، وهو يعكس أزمة في المناهج التربوية، وفي أن عقولنا أصبحت استهلاكية حدّ المرض، ننفعل عند سماع أي كلمة، ونفترض سوء الظنّ. لسنا بمذنبين أو بمقصرين، بل نحن ضحايا أنظمة سياسية واجتماعية تُبرمجنا على تسمية الأشياء بغير مسمياتها، وعلى طمس الحقائق، وتمييعها، كتكتيك إستراتيجي لتضليل العدو. فهل تعرف أحداً مصاباً بهذا النوع من التحسس؟