11 سبتمبر 2025
تسجيلالعلاقة بين الزعيمين والشعبين والثقة المشتركة ستبقي التحالف لعقود قادمة أصبح بين قطر وتركيا مصالح مشتركة ومستقبل واحد . . وأعداء مشتركون جيوبولتيك جديدة قد تفرض نفسها في منطقتنا بعد فقدان الثقة في دول الحصار تقوم العلاقات بين الدول على عدة قواعد مختلفة، لكن أفضلها في المجتمع الدولي في الوقت الحاضر هي التي تقوم على أساس المصالح المشتركة، وفي حال وجود أي عنصر آخر يقوي هذه العلاقة مثل التقارب الجغرافي أو اللغة أو الدين أو العرق أو العدو المشترك فإنها كلها تصح في إطار تقوية هذه العلاقة وتعزيزها. ولعل العلاقة القطرية التركية نموذج رائع في التحالفات الدولية، فبالإضافة للمصالح المشتركة التي تجمع بين الدولتين، فإن لدى الدولتين الكثير من القواسم المشتركة التي كانت سبباً في نجاح كثير من المشاريع والمواقف في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، ناهيك عن التقارب الشعبي بين شعب الدولتين (ربما يوضح ذلك مثلاً عدد الزوار القطريين لتركيا قبل الحصار في ٢٠١٦ حيث بلغ عددهم ٣٥ ألف زائر وهو رقم كبير مقارنة بعدد المواطنين) وهذه العلاقة بين الشعبين بلا شك ستنعكس على العلاقة بين الحكومتين. ومن أبرز ما يميز العلاقة بين قطر وتركيا وجود زعيمين بحكمة سمو الشيخ تميم والرئيس رجب طيب أردوغان وقوة العلاقة بينهما على المستوى الرسمي والشخصي والثقة المطلقة لكل زعيم في الآخر والتي جسدتها المواقف، فيكفي مثلاً على المستوى السياسي أن نعرف أن الرئيس التركي منذ أن تولى الرئاسة في ٢٨ من أغسطس عام ٢٠١٤ عقد ما يقارب ١٨ قمة مشتركة بينه وبين سمو الأمير وهو عدد فريد من نوعه بين بلدين في غضون هذه السنوات. ولعل من أبرز الدعائم المشتركة التي أضيفت مؤخراً لهذا التحالف القطري التركي وجود عدو مشترك، فبالنسبة لقطر وتركيا فإن النظام السوري الحالي عدو شعبه، وبالنسبة للدولتين لا دور له في سوريا الجديدة، كما أن الإمارات تعتبر عدوا مشتركا للدولتين لما تقوم به من أعمال عدائية لكليهما، بداية من حصار قطر وكل المؤامرات الدنيئة التي تقوم بها في كل مكان وليس نهاية بدعم الانقلاب في تركيا والمخططات المستمرة لضرب الاقتصاد التركي. وما بعد حصار قطر والمواقف العدائية الإماراتية الواضحة لتركيا والمواقف والنوايا السيئة السعودية لتركيا حتى لو كان ظاهرها غير ذلك (خوفاً وليس دهاءً) فإن موازين القوى في مستقبل المنطقة سيعتمد على التحالفات الجديدة، فلم يعد لنا شريك حقيقي موثوق به سوى تركيا، حكومة وشعباً ومعارضة (بعد مواقفها الحكيمة والنبيلة في الداخل التركي) وكلها مؤشرات على أن هذه العلاقة ستستمر وتكبر لعقود، خاصة أن العلاقة مع دول الحصار ليس من السهل أن تعود طالما بقيت جراحها مفتوحة لن تندمل، وهذا يحتاج أيضاً لعقود حتى تعود فيهم الثقة. إن ما يحدث الآن من أزمات لدول كان لها موقف مشرف في أزمة الحصار ليس بالبعيد عن من دبر الحصار في الرياض وأبوظبي وواشنطن، فالضغط على تركيا وإيران لا يعنيهما بشكل مباشر فقط، بل يعني أيضا مزيداً من التضييق على قطر، فإن كان التحالف مع تركيا واضحاً للعيان، فإن العلاقة القطرية الإيرانية أيضاً مقبولة عطفاً على اختلاف المواقف في الملفات الإقليمية الرئيسية ولطهران موقف مشرف في حصار قطر ضد دول الحصار. ليس عيباً أن تهب الدوحة اليوم لتقف مع تركيا، فقد أصبحت عطفاً على موقعها والصراعات الإقليمية حليفاً جغرافيا جديداً وإن كانت المسافات بعيدة في ظاهرة جيوبولتيك جديدة وفريدة من نوعها، فبالنسبة لنا لم تعد الدول المجاورة لنا تمثل عمقاً لنا ولا حماية لنا من أي أخطار. لهذا فإن وقوفنا اليوم مع تركيا شعباً وحكومة فيما تتعرض له من ضغط اقتصادي بات واجباً ليس فقط من أجل تركيا كدولة، ولكن من أجلنا أيضا، فقد أصبحت مصالحنا مشتركة ومصيرنا مشترك ومستقبلنا مشترك. وإذا كانت هناك أصوات عربية نشاز اليوم تحاول أن تبعد المواطن الخليجي عن دعم تركيا إلا أننا يجب أن لا نلتفت لها، مع مطلق الحرية لها في التعبير عن ما تريد، لكننا نتحدث من موقع أعلى وفق رؤية شاملة للأحداث لا ضيقة في الأهواء. فمثلاً لا يمكن ربط دعم دولنا لليرة التركية مع فكرة أن دول الخليج لم تدعم الجنيه المصري عندها هوى، وهذا باطل يراد به باطل أيضا، فما قدمته دول الخليج مجتمعة من دعم للاقتصاد المصري منذ سقوط نظام مبارك كان كافياً لإعادة بناء مصر مرتين، ولو قدم ما قدم لمصر لفلسطين والأردن ولبنان والعراق لكانت كافية لإعادة بناء هذه الدول، إن هذه المقارنات المضللة هدفها تشتيت الوعي العربي عن اتخاذ مواقف فردية وجماعية، ومحاولة يائسة لتضليل الوعي الجمعي للأمة. إن دعمنا للاقتصاد التركي هو دعم لإخوتنا في الدين، دعم لاستثماراتنا ، دعم لحليفنا العسكري، لشريكنا الاقتصادي، دعم لشقيقنا التركي، دعم لمستقبل منطقتنا، ودعم لمن وقف معنا موقفاً مشرفاً لا ينسى في أسوأ أزمة سياسية نمر بها.