14 سبتمبر 2025
تسجيليتأرجح النمو العالمي بين الكساد والتضخم والتعافي الهش بسبب تراكم أزمات مالية خانقة، وضعف الخطوات الفاعلة لنهوض مؤسسات اقتصادية دولية من ضعفها، وإعلان الإفلاسات المتكررة، وتهاوي أنظمة مالية لم تعد قادرة على مواجهة التراكمات. ويتوقع خبراء عالميون أن يؤثر التعافي الهش ومبادرات النمو الضعيفة على الأسواق المالية والصناعية بما فيها الناشئة، فقد أظهرت تحليلات مجموعة "كيو إن بي" أنّ برامج التخفيف الكمي في الولايات المتحدة الأمريكية عرقلت النمو، وستحدث تأثيرات كبيرة على أسعار صرف العملات وأسعار الفائدة، وتراجع قيمة عملات الدول الناشئة، وهروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة. وأشار التقرير أيضا إلى أنّ برامج التقليص نقلت تداعيات الأزمة إلى الأسواق الناشئة، وأدت إلى انخفاض السيولة المتاحة للاستثمار، وزيادة كلفة الإقراض. وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن مؤخراً خفض توقعاته حول معدل النمو وأنه كان مفرطاً في التفاؤل حول الأداء الدولي العام، فلا تزال منطقة اليورو تعاني من حالة الكساد مع انكماش الاقتصاد بنسبة "0،6%" العام الماضي. وذكر تقرير آسيوي أنّ التعافي الضعيف لا يزال يؤثر سلباً على اقتصاد آسيا بسبب ضعف الطلب الخارجي والأزمة النقدية وارتفاع كلفة الاقتراض وانخفاض التدفق الائتماني للشركات. أما في منطقة الخليج فقد توقع تقرير "فيتش" للتصنيف الائتماني تباطؤ النمو في دول مجلس التعاون الخليجي العام الحالي، نتيجة اعتدال نمو إنتاج النفط وأنّ ارتفاع أسعار النفط والإنتاج الضخم للطاقة سيوفران الدعم القوي للمنتجات غير النفطية. وذكر أنّ اقتصاديات التعاون ستبقى متأثرة بأسواق النفط العالمية، وأنّ المخاطر الرئيسية تأتي من التدهور المالي الخارجي، الذي يشكل خطراً على المدى القصير وتباطؤ الاقتصاد الصيني والآسيوي وزيادة أزمة اليورو والتقلبات السعرية. وإزاء الوضع الراهن للاقتصاد الدولي تؤكد "فيتش" أنّ الحكومات الخليجية ستواصل استخدام عائدات النفط المرتفعة لتحفيز اقتصادياتها، وأنّ الفوائض المالية من الموازنات السنوية ستعزز من أوجه الإنفاق إلا أنها تواجه تحديات رئيسية، هي التنويع الاقتصادي وارتفاع الأسعار وإيجاد مصادر جديدة للدخل. وبرؤية أكثر قرباً من الواقع فقد توقع صندوق النقد الدولي أن تواصل دولة قطر دعمها لأنشطة الدولة الاقتصادية مدعوماً بالسياسات التيسيرية التي تنتهجها الدولة في ظل التباطؤ العالمي، كما تشير التوقعات إلى زيادة دور القطاع غير النفطي في النمو المحلي بما سيعود على نمو القطاعات الفرعية وخاصة الخدمات المالية. وفي دبي مثلاً تسعى الحكومة الإماراتية إلى تأسيس قاعدة للاقتصاد الإسلامي بعد تحول الكثير من رؤوس الأموال إليها، حيث ذكر تقرير صندوق النقد الدولي أنّ المستثمرين يفضلون الإبقاء على أموالهم واستثماراتهم في أسواق الوطن العربي بعيداً عن حالة التذبذب في الأسواق العالمية. وذكر تقرير صندوق النقد الدولي أنّ هناك تبايناً في آفاق الاقتصاد المتوقعة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومع ارتفاع معدلات النمو في الدول المصدرة للنفط فإنها ستحتفظ بأداء قوي تدعمها السياسات المالية العامة التوسعية والأوضاع النقدية الميسرة، فيما لن يحقق الاقتصاد العالمي التعافي المطلوب. ومن هذه المؤشرات يتضح أنّ التوجه المالي العالمي ينحو الأسواق الأكثر جذباً للاستثمارات والأكثر استقراراً وتأثراً من تداعيات الأزمات المتلاحقة وأنّ دول مجلس التعاون من الأسواق الأكثر ثقة وضماناً لرؤوس الأموال الاستثمارية. وذكر التقرير أنّ التحولات السياسية الجارية بمنطقة الشرق الأوسط تستهدف النمو، وبالتالي فإنه يتعين على الدول إنشاء شبكات أمان اجتماعية وبناء توافق في الآراء حول الخيارات المالية، مشيداً بأداء الدول الخليجية التي تمكنت من استخدام عائداتها الناتجة عن ارتفاع الأسعار في المحافظة على النمو بعيداً عن التأرجح رغم البيئة العالمية الضعيفة وأنّ الحاجة ماسة لتحقيق نمو أقوى بما يحفز إنشاء فرص عمل وصياغة برامج اقتصادية محفزة. ومما لاشك فيه أنّ المخاوف من النمو المريض الذي لا يضمن الاستمرارية ومن مخاطر الكساد والانكماش التي تجتاح المؤسسات الدولية فإنّ الاقتصاد الخليجي يعيش أزهى مراحله في تمكين مؤسساته من الاستفادة من فرص العوائد الكبيرة للطاقة في بناء مشاريع تتأقلم مع المتغيرات وتلبي الاحتياجات. أما الوضع الراهن في الشرق الأوسط وما يشهده من اضطرابات سياسية واقتصادية فلن تجد الحلول أرضاً خصبة للنمو إلا لسنوات طوال بسبب غياب الرؤى الجماعية للنهوض بالاقتصاد ولانعدام الحلول المناسبة في الوقت الحالي.