13 سبتمبر 2025
تسجيلهي ذاتها حين نقول "لا تقترب حد الاحتراق ولا تبتعد حد الافتراق" عبارةٌ تفسر كيف أن العلاقات من دون مسافة أمان، قد تكون عرضةً للفشل والانهيار والهدم مهما كان نوعها فالقرب الشديد قد يكون مؤلماً ومؤذياً لأن إلغاء الحدود يجعل العيوب أوضح، وكذلك البعد المبالغ فيه يخلق حتماً البرود والجفاء بين القلوب وهو كفيلٌ بأن يُنهي الكثير من العلاقات. تماماً كمسافة الأمان التي تمنع مركبتين أثناء سيرهما على الطريق من الاصطدام، وبحسب الدراساتِ فإنَّ أكبر مُسبِّب للحوادث المرورية بعد السرعة والانشغالِ هو عدمُ ترْك مسافةٍ كافيةٍ بيننا وبين السيارة التي أمامَنا، فالاقترابُ الشَّديدُ يُفقِدُ السائقَ القدرةَ على السَّيطرة، ولا يُعطيه فرصة للتصرف في أيِّ موقفٍ طارئ، بالمقابل فإن الحدود في العلاقات الإنسانية هي مسافة الأمان التي تمنع اصطدامنا بمن حولنا أثناء سيرنا في الحياة والحفاظ على المساحة الشخصية ليس جبنًا ولكنه تصرف حكيم، فعندما يقتحم الناس مساحتك الشخصية تصبح المناطق المسؤولة في عقلك عن تخزين أحلامك واحتياجاتك وقيمك مُهاجمةً من قِبل الآخرين فهم يهاجمون هويتك وتقديرك لذاتك. لعل البعض يعتقد أن محبتنا لشخص أو دخول أحدهم في حياتنا كشريكٍ أو صديقٍ أو ابنٍ يعطي الحق أن نتطفل عليه بدءاً بيومياته مروراً بأفكاره وصولاً لعلاقاته وكأننا أصبحنا بحكم العلاقة التي تجمعنا به "أوصياء عليه" في حين أن قمة الاحترام والحب هي أن تترك لغيرك هذه المساحة التي تساعد في بناء جسر من الثقة واستمرارية للمشاعر الإيجابية كيفما كان اسمها. فالأزواج الذين يحققون هذا التوازن يحصلون على علاقة مُرضية للطرفين حيث يجب أن يكون لكل شخص في العلاقة مساحة شخصية خاصة به، حتى يتمكن من تحقيق النمو الشخصي وما لديه من مشاريع وصداقات وأهداف (أليس كل منكما جاء من محيط عائلي وخلفيةٍ ثقافيةٍ واجتماعيةٍ وتربويةٍ مختلفة وجاء هذا الرابط بينكما بوجود الاختلافات واحترام المساحات الخاصة لكليكما؟!) كذلك الحال مع أطفالك فتعليمهم وأن تكون مسؤولاً عنهم لا يعني السيطرة عليهم أو مصادرة أحلامهم وآمالهم، لذلك على العائلات أن تحافظ على المساحات المشتركة التي يمكنهم فيها التحدث وتقديم التوجيه والنصيحة وتقبّل ذاك بصدر رحب. إن الاقتراب الشَّديد من البشر - كما أكَّدَ علماءُ الاتصال - يولِّد توتُّراتٍ ومَللًا وكأنك تضرِب حصارًا عاطفيًّا على مَن تُحبُّ، فكن وسطياً في العلاقة حتى لا تخسرَ من تحب باسْمِ الحُبِّ الذي إن بدا مشروطاً فلا حياة له. وفي المقابل، احترِمْ حدودَ الآخرينَ ومسافاتِهم ولا تقترِب ما لم يسمَحوا، وكما تقول أحلام مستغانمي: "الحبُّ هو ذكاءُ المسافة". ولكي أكون أكثر وضوحاً ففي عالم الطبيعة الجميلة من حولنا أيضاً يجعل من الاقتراب الشَّديد مؤذياً ويحُول بيننا وبين تلمُّس الجَمال، فرؤيتكَ للبحر عن بُعد أجملُ ومشاهدتك للقمر في أمسياته الجميلة ستجعلك هائماً بمن تغنى به الشعراء، ألم أقل لك إن الاقتراب المبالغ فيه قد يُفقدك جمال وسحر ما اقتربت منه سواء بشرا أو حجرا؟!. أخيراً: أثناء الدراسة وفي حياتنا المادية مهمٌ أن نكون أذكياء في مسائل الرياضيات والحساب، أما الأجمل والأهم فهو أن نكون بارعين في ذكاء المسافات. [email protected]