20 سبتمبر 2025
تسجيلثمة فرق كبير بين النباح والنقد، أو الطرح البناء، عندما يتحول النقد إلى نباح لا يُصغى إليه، لأنه عمل دون بشري ولا يرقى إلى مستوى البشر، البشر يحتاجون إلى النقد البناء بعيداً عن بحة النباح، وعلو صوت النابح، ولكن كيف يتحول النقد إلى نباح أو الناقد إلى نابح، هنا لابد من الإشارة إلى عاملين، أولهما نفسي معني بكاتب النقد أو الناقد، والآخر موضوعي تقع مسؤوليته على كاهل من يشرف على سياسة الجريدة أو المجلة أو وعاء النقد بصورة أشمل. العامل الأول: عندما يخلط الكاتب بين مشكلته أو ما يعاني منه، والقضية المراد طرحها بشكل واعٍ أو لا شعوري في معظمه يتحول النقد إلى صورة أقرب إلى النباح، الذي ذكرت لأنه يستخدم ميكانيزم الدفاع عن ذاته ولو كان من خلال قضية الغير، فالحيادية مطلب صعب في جميع المجالات، ولكنها في مثل هذه الحالة أصعب، خاصة إذا كان المجتمع يحتكر آلياته التاريخية والاجتماعية الخاصة به للتقييم. وأصعب هذه الحالات الشعور بالنقص أمام مجتمع قد حددت فيه المراتب والمواضع والدرجات مسبقاً، فهو يموضع الفرد في زاوية وموقع محدد لا يستطيع معها فراقاً فهو هنا (أي الفرد ذي الحالة) في حالة دفاع دائم عن نفسه حتى قبل أن يبادر أحد بالهجوم، وكل انتقاد لما يكتب أو يقول هو طعنة في وجوده، فيخرج النقد من فمه نباحاً لا يمكن أن يرد عليه آدمي ويتطلب النزول إلى درجة أقل من ذلك فيترك بالتالي ليذهب مع الريح. العامل الثاني: مسؤولية من يضع سياسة الجريدة أو المجلة، والقراء وأصحاب القضايا والشأن عليهم أن يختاروا، والحال هذه الأكثر استقراراً نفسياً والأكفأ قلماً والأنسب اجتماعياً دونما شعور بالنقص أو الدونية حتى لا يعاني من المجتمع ولا يعاني المجتمع منه ومن إشكاليات وبواعث نفسه. هذا إذا أردنا أن نرتقي بمستوى الخطاب الناقد في جرائدنا ومجلاتنا، وإلا سنضطر إلى فك رموز نباح لا يستحق أن يرد عليه، فبذلك سنخسر مساحة هي أولى أن تكون للنقد البناء المتداول ضمن النسق الإنساني، ولا يندرج نحو مستويات أقل. إن قضايا الوطن لا تحتمل النباح، ولكنها تحتمل النقد الراشد، والمواطن لا يحتاج إلى سب أو طعن أو استهزاء بالآخر للدفاع عن همومه، ولكنه يحتاج إلى عرض موضوعي مقنع مسند بالأدلة والروح الواثقة والنفس الطويل للحوار لا دفقة النباح القصيرة التي يجرى تجاهلها لقصر نفسها وعجزها. فالنقد في أساسه يولد نقداً مضاداً إذا افتقد الموضوعية والمعّول يبقى في أين يكمن الجزء الأكبر من المصلحة العامة ولدى أي طرف، لأنها في حقيقتها (أي المصلحة العامة) كلُ لا يملك الفرد منه إلا جزءاً منظوراً إليه من جانبه، في حين أن الآخرين كذلك لهم زواياهم التي يرون بقية أجزائها من خلالها. على كل حال الجرأة شيء جميل، ولكن لابد لها أن تقترن بالصدق والموضوعية وليس بالتشنج والردود الأشبه بالنباح لأنها (أي الجرأة) في ذلك قد تخرج عن الصفة الإيجابية في اقترانها بالإنسان إلى صفة هي إيجابية أيضاً ولكن لغيره من مخلوقات الله. [email protected]