10 سبتمبر 2025
تسجيلضاق صدر المجتمع الدولي وسئم ويلات الحروب، والجرائم المُرتكبة ضد الإنسانية، فيما مر عليه من أبشع الجرائم في الحربين العالميتين (الأولى، الثانية)، وكان يعقب كل حرب محاكم دولية مؤقتة تُنشأ لمحاكمة مُجرمي الحرب، ومن أشهرها (محكمة نورمبرغ)، وبعد سنواتٍ طويلة أدرك المجتمع الدولي أنهُ آن الأوان لوجود محكمة جنائية دائمة، تختص بالجرائم الخطيرة التي تشغل اهتمام المجتمع الدولي. وبعد محاولاتٍ عِدة شهدت الكثير من الجهود، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1992، بتكليف لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، بإعداد مشروع النظام الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، كمحكمة دولية دائمة، وفي عام 1994 أنهت اللجنة المعنية مشروع النظام الأساسي، وعُرض على الجمعية العامة والتي بدورها شكلت لجانا مُخصصة لاستعراض المسائل الفنية والإدارية لمشروع النظام الأساسي، ولإعداد الترتيبات اللازمة لعقد مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وعقد هذا المؤتمر الأخير في روما عام 1998، ونتج عنه إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وذلك بعد تصويت (120) دولة بالموافقة، وامتناع (21) دولة عن التصويت، ومعارضة (7) دول من بينها الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ويُعد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، معاهدة دولية تصبح نافذةً بعد (60) يوماً من مصادقة الدول الستين عليها، وكان لابد من مصادقة (60) دولة على الأقل لنفاذ اتفاقية نظام المحكمة الأساسي، والذي تحقق بعام 2002 بعد اكتمال النصاب. ويتألف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من ديباجة وثلاثة عشر باباً، وقد جاءت الديباجة مُذكرةً الدول الأطراف بالروابط المشتركة بين شعوب المنطقة ومدى أهمية حماية نسيج الشعوب من الجرائم الخطيرة، التي تهدد سلم وأمن العالم. وتضمن الباب الأول القواعد المتعلقة بإنشاء المحكمة، وحدد الباب الثاني القواعد المتعلقة بالاختصاص والمقبولية والقانون واجب التطبيق، وننتهز هذه الفرصة للتأكيد على اختصاص هذه المحكمة بالجرائم الواقعة على الأراضي الفلسطينية كنتيجة مُباشرة، لانضمام هذه الأخيرة لنظام المحكمة الأساسي – المعاهدة – عام 2015، فيما تضمن الباب الثالث المبادئ العامة للقانون الجنائي، ووضح الباب الرابع كيفية تكوين المحكمة وإداراتها، وبيَّن الباب الخامس القواعد المتعلقة بالتحقيق الابتدائي والمقاضاة وعلى وجه الخصوص باختصاص المدعي العام واختصاص دائرة ما قبل المحاكمة، وجاء الباب السادس بقواعد المحاكمة، ونص الباب السابع على العقوبات الواقعة على المُدان، ونظم الباب الثامن قواعد الاستئناف وإعادة النظر، والباب التاسع مبادئ التعاون الدولي والمساعدة القضائية، وقرر الباب العاشر كيفية إجراءات التنفيذ والتي – بطبيعة الحال – ذات طابع دولي، كما نظم الباب الحادي عشر جمعية الدول الأطراف والتي لا يفوتنا الحديث عن ذكر أن اللغة العربية لغة رسمية بعمل جمعية الدول الأطراف أخذاً بكونها كذلك بالجمعية العامة للأمم المتحدة (كما نصت المادة 112 من النظام الأساسي للمحكمة)، وحدد الباب الثاني عشر قواعد التمويل المُعتمدة بالنظام المالي للمحكمة، وأخيراً فقد تضمن الباب الثالث عشر، الأحكام الختامية المتعلقة بتسوية المنازعات والتحفظات والتعديلات التي يمكن أن تطرأ على أحكام النظام الأساسي ذات الطابع المؤسسي البحت، وكذلك إجراءات التوقيع، التصديق، القبول، الموافقة، الانضمام، وبدء النفاذ. وفي الختام، نأمل أن تُحقق هذه المحكمة العدل الدولي المنشود والاستقرار المفقود، بعيداً عن التسييس وازدواجية المعايير التي أُسبغ بها المجتمع الدولي.