15 سبتمبر 2025
تسجيلقيل قديماً إن الحديث، أي الكلام بين شخصين أو أكثر، يكون على ثلاثة أوجهٍ لا رابع لها، فهو إما أن يكون حديثًا في الأغيار، أو حديثًا في الأخبار، فإن خلا منهما فلن يخلو من كونه حديثًا في الأفكار وذلك ما ندر. ويقصد بالأغيار في الوجه الأول من الحديث الأفراد من الناس، وهذا لعمرك إن لم يكن لمنفعةٍ فهو من أردى أنواع الحديث وأدناها منزلةً، فهو لا يخلو من أمرين إما «غيبة» أو «نميمة» وكلاهما محرمٌ شرعًا ومن الكبائر لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن الغيبة قال: «ذكرك أخاك بما يكره قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته»، أما «النميمة» فهي نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء، وهو محرمٌ أيضًا بنص الكتاب والسنة، لقوله تعالى (هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وقوله صلى الله عليه وسلم (لا يدخل الجنة نَمَّام). والوجه الثاني هو الحديث في الأخبار، سواء كانت أخبارا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا ضير في ذلك ما لم يؤد إلى جدل عقيم يوغر الصدور، أو أن يستنزف الوقت فيطغى على المجلس، وقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تناقل الأخبار والأحداث حال وقوعها في التو واللحظة، كما امتلأت الهواتف الذكية عبر مختلف التطبيقات بأصناف المحتويات وسهلت وصول الجميع إليها، المختص وغير المختص، العالم والجاهل، الكبير والصغير. تنهض في الصباح الباكر وتبدأ بهاتفك قبل كل شيء لتجده يعج بالأخبار ومقاطع الفيديو من كل حدب وصوب، هذا فضلًا عن العبارات المزخرفة التي ترسل لك يوميا وبشكل تلقائي من البعض دون إحساس بقيمة الوقت، ثم إنك لا تكاد تلتقي بصديق أو حتى بأحد أفراد عائلتك إلا وحدثك عن تلك الأخبار، ظنًّا منه أنها لم تصلك بعد. أما الوجه الثالث فهو أن يكون الحديث في الأفكار، وهو أرقى أنواع الحديث وأكثرها فاعلية وفائدةً للفرد وللمجتمع، ويشمل هذا النوع من الحديث، إضافةً إلى دروس العلم، الندوات والمحاضرات والجلسات النقاشية للكتب والأطروحات العلمية في كافة المجالات، والمشارك في هذه المجالس إما أن يكون عالماً أو متعلماً وذاك ما يمكث في الأرض وينتفع به الناس، وماعدا ذلك فهو غثاء كغثاء السيل، قال تعالى «فأما الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض». يقول المثل الصيني «يتكلم العاقل عن أفكاره والذكي عن أعماله والسوقي عن طعامه».