19 سبتمبر 2025

تسجيل

شريعة الغاب

14 يونيو 2017

في عالم الغاب لا يوجد قانون سوى قانون القوة ! وتحت هذا القانون تموت كائنات، وتتسيَّد كائنات! ويظل القوي محورَ الحياة في الغابة! الطيور الصغيرة تتعرض أعشاشُها لغزوات من الطيور الجارحة ، والحيوانات الأليفة تعاني عَسف الحيوانات المفترسة . كما يحاول الإنسانُ – في الغابة – أن ينأى بنفسه عن قانون القوة، بالسكنى في أعالي الأشجار أو في الكهوف المحيطة بالغابة والتي لا تصلها الحيوانات المفترسة. وهكذا تظل الغابة بلا حق ولا عدل ولا جمال.أما في المدن المتحضرة ، فلقد تنادى أهلُها لوضع قانون لحماية الناس من ظلم بعضهم بعضا، ومن ظلم الآخرين لهم . وكانت القوانين الأولى هي القوانين السماوية التي هدفت لحماية الإنسان وحفظ كرامته وتقنين العلاقة بينه وبين بني جنسه، سواء داخل المجتمع الواحد أو بين المجتمع والمجتمعات الأخرى ، التي حتماً سوف ترتبط بهذا المجتمع بعلاقات تصاهر وقربى أو مصالح اقتصادية واجتماعية وأمنية وعسكرية. ثم ظهرت القوانين الأرضية التي عكف عليها البشر ، مثل قانون حمورابي (1790)، الذي حاول تأمين حقوق ضد السرقة واتلاف الممتلكات وحقوق المرأة والطفل والعبيد وجزاءات القتل. وبعده جاءت قوانين ( أورإمكينا (1878) ، وقانون (أرنمو) و(عشتار) في العهد البابلي القديم.إلا أنه بدخول العالم الحقبة الحديثة اعتباراً من القرن السابع عشر، وصراع المفكرين والفنانين مع الكنيسة في أوروبا ، وظهور العائلات الملكية وصراعاتها الإقليمية، أصبح البحث عن قوانين جديدة معاصرة أمراً حتمياً، وظهرت بوادر البرلمانات المحلية وقوانين المستعمرات لحفظ العلاقة بين الدول المُستعمِرة وتلك المُستعمَرة. وبمجيء العام 1945 كان قد برزت في العالم أصواتٌ تنادي بحفظ السلم والأمن الدوليين، وذلك عبر عصبة الأمم التي برزت بعد الحرب العالمية عام 1934 وكان مقرها في جنيف، وانتهت عصبة الأمم في أبريل 1946 ثم تأسست بعدها الأممُ المتحدة في أكتوبر 1945 في سان فرانسسيكو، وتم نقل المقر إلى مدينة نيويورك في عام 1951. وهدفت إلى حفظ السلم والأمن الدوليين.وللأسف ، تم تفصيل الميثاق على أهواء الدول القوية المنتصرة، حيث جاء قرار الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي : أمريكا ، الصين ، روسيا ، بريطانيا وفرنسا، وأحقيتها في استخدام حق النقض (الفيتو) في القضايا التي تُعرض على مجلس الأمن. وبذلك أزيلت الديموقراطية التي من المفترض أن تكون في أعلى جهاز يحفظ الأمن والاستقرار الدوليين. بعدها رأت الدول المتشاطئة والمتقاربة جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً واقتصادياً إقامة اتحادات فيما بينها، فظهرت أمثلة لذلك في : الاتحاد الأوروبي ، اتحاد دول الكاريبي ، الآسيان ، منظمة المؤتمر الإسلامي ، جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهدفت هذه الاتحادات إلى التقارب والتكامل وتبادل المصالح وحفظ علاقات التفاهم فيما بينها . وكان من أهم أهداف هذه الاتحادات رفض قانون الغاب، وحماية الإنسان من تبعاته. إلا أن روح المغامرة والاحتماء بالقوة، ومحاولة فرض الأمر الواقع ، وجني ثروات الشعوب ، كل ذلك أوحى لبعض الدول التحرشَ بجيرانها، ومحاولة التدخل في شؤونها الداخلية. فحصل أن قامت حروب عدة مثل الحرب العالمية والثانية ، وتقسيم المنطقة العربية تبعاً لاتفاقية (سايكس بيكو) عام 1916 وتقسيم الشرق الأوسط (الهلال الخصيب) تبعاً لمناطق النفوذ بين فرنسا وبريطانيا. ثم جاءت حرب فلسطين وتهويد فلسطين ، ثم التدخل الأمريكي في فيتنام ، وحرب الهند وباكستان حول (كشمير)، وحرب البلقان، والحرب العراقية الإيرانية، وكذلك بعض الحروب التي استعرَّت في مناطق من إفريقيا. وأخذ كل ذل وقتاً كثيراً من الأمم المتحدة كي تصلح ذات البين.واليوم نعيش نحن في منطقة الخليج أزمة أو لعبة قانون الغاب !؟ حيث تم التدخل بصورة غير قانونية في الشؤون الداخلية لدولة قطر من قبل بعض الأشقاء، وتم تعريض الشعب القطري للمضايقات دون وجه حق، وتم اختلاق مواقف – غير حقيقية- بُغية إجبار دولةٍ مستقلة وذات سيادة على الرضوخ أو القبول بسياسات خارجية تمسُّ سيادتها. وتجاوز الأمرُ ذلك إلى تعرُّض العائلات الخليجية لمضايقات وتشتيت وانفعالات نفسية، فهذا قطري لا يستطيع زيارة أبناء عمومته في السعودية، وتلك بحرينية لا تستطيع الالتحاق بأبنائها وزوجها في دولة قطر، وهنالك طفل إماراتي مع أمه لا يستطيع السفر لأبيه في دولة قطر بحكم أن والده إماراتي!؟ وهكذا. كما تم خلق حالة نفسية غير مسبوقة بين الشعوب الخليجية، التي وجدت نفسها في مأزق الحفاظ على وحدة الدم والمصير المشترك والحقائق التاريخية والجغرافية وبين الرضوخ إلى القوانين التي تُحرّم التعاطف بل والسؤال عبر الإنترنت عن أهلها وذويها، أو التعرض لغرامة تصل إلى نصف مليون درهم !؟ مع السجن !؟ ونتج عن تلك القرارات التي صدرت من الأشقاء تعرّض 8 آلاف عائلة في قطر – لها أقرباء في الدول الثلاث – للمضايقات والقلق وعدم استطاعتها زيارة أهليها في تلك البلدان.انتفضت المؤسسات الدولية، ومنها الاتحاد الدولي للطيران ( إياتا) لرفض صدقية وأحقية فرض حظر جوي على مسار الطائرات القطرية في المنطقة، وطالب الاتحاد دولَ الخليج الثلاث التي فرضت الحظر برفع الحظر فوراً!؟وقام سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت حفظه الله، وفي رمضان، برحلات مكوكية منتقلاً بين الرياض والدوحة وأبوظبي ودبي، في محاولة لرأب الصدع ورفع الظلم الذي وقع من الأشقاء على دولة قطر. كما أعلنت الولايات المتحدة وفرنسا وبعض الدول المؤثرة استعدادها لحلحلة الأزمة في المنطقة. ما جرى في منطقتنا خلال الأسبوع الماضي مشهدٌ من مشاهد (قانون الغاب)، الذي تجاوزته الأمم والشعوب، وهو قانون لا يتلاءمُ مع الحياة العصرية وحوار العقل، كما أن التغيّر الجغرافي والمسَّ بالواقع الديموغرافي تحرّمه القوانين الدولية، ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة.إن محاولة جرّ المنطقة إلى حرب جديدة ليست في صالح أية دولة ! وإذا ما انطلقت شرارةٌ فلن تُصيبَ دولةَ قطر فحسب ، بل سوف يتطاير الشررُ ، وتخرج شعوبٌ ظلت صامتة وخائفة، ولن يتنبأ أحد بفداحة ماذا سيحصل عندما يتم تطبيق (قانون الغاب) في المنطقة.وعلى العقلاء أن يُجنبوا أُسَرَهم وذويهم آثار تطبيق (قانون الغاب) ، ومن " اللعب بالنار" الذي أثبت مع الأيام أنه يحرق أصابعَ لاعبيه.إن قطر التي مدّت يدها دوماً إلى السلام والمحبة والتعاون مع كل دول العالم، لا يمكن أن تُجازى بهذا النوع من الحصار، كما أن الشيم العربية والأعراف والتقاليد ترفض ظلم ذوي القربى، وتشتيت الأُسَر، وضرب العائلات بعضها ببعض، وإشعال نار حرب القبائل. ما زال هنالك وقتٌ للحكمة ، وتغليب العقل ! وما زالت مبادئ الإسلام الحاضرة في قلوب أهل الخليج بأكملهم كفيلة بأن ترفع الظلم الذي وقع على شعب قطر دون حق، أما وقد تم تجاهل هذه المبادئ السامية ، فلا عجب أن نرى منعَ أبناء إنسان مُسنٍّ تُوفى في قطر من حضور جنازته!؟ وهذا لب (قانون الغاب).* فاصلة: على الجهات المختصة رصد مواقف الدول " الرخوة" التي ما انفكت دولة قطر تمدّها بالمساعدات ومواقف التأييد؛ ثم " لهثت" للاصطفاف في الخندق الآخر ضد دولة قطر.