15 سبتمبر 2025
تسجيلشهدنا في الماضي موجات من (فنون) الديكور التي جلبها لنا مهندسون من الدول العربية الشقيقة، التي اعتبرناها قمة في الروعة والجمال، واعتقدنا أنها أضفت على برامج التلفزيون الأبهة والإثارة ! فقد كانت السلاسل تتدلى، والأقمار والشموس المصنوعة من (الفلين) والمصبوغة باللون الذهبي أو الفضي، وكذلك القناديل المضيئة، والزهور التي تُصبغ بألوان غريبة، خصوصاً في برامج المنوعات مثل مجلة التلفزيون أو برامج الأطفال، أو الحفلات الغنائية، وأتذكر خلال تقديمي مثل تلك الحفلات، أن سعف النخيل قد صُبغ باللون الذهبي.وبعد أن درسنا فنون التلفزيون وتراكمت لدينا الخبرة، وجدنا أن ما كنا عليه كان يتناقض مع أساسيات الديكور، من حيث أن الألوان المبهرة، الأصباغ المتلالئة وتلك الأقمار المتدلية، التي تتحرك في الديكور بفعل هواء المكيف، تُحدث إرباكاً للإضاءة، وبالتالي "تشوّش" على الصورة. كما أن السلاسل والأقمار المتدلية تشتت ذهن المشاهد، وتلهيه عن متابعة ما يقوله المذيع أو الضيف.واليوم، ومع التطورات التكنولوجية، ودخول العالم الافتراضي، أصبحت الحاجة ماسة لتطوير التصاميم المتعلقة ببرامج التلفزيون، خصوصاً مع الوفر المدهش الذي تتيحه التكنولوجيا، مع رخص أثمان الاستخدام. ولكن الأمر – في الحقيقة – لا يتعلق باستخدام أو المبالغة في تضمين هذه البرامج التكنولوجية، بل في العقل المبدع الذي يتخيل ويقوم بتطبيق برامج الإضاءة والديكور، كي لا تتغلب التكنولوجيا على إنتاج العقل، وبالتالي نقوم بتقديم الإبهار البصري، دون أن يوزايه إثراء معرفي أو دلالي لواقع الموضوع المطروح، سواء كان ذلك في البرامج أم في الأخبار.ومن الخطأ أن "ينبهر" الفنان – مهندس الديكور – بمخرجات التكنولوجيا ويدعها "تخرّب" موضوع البرنامج، والذي قد يكون ناجحاً ومؤثراً، حتى مع القليل من الإبهار البصري في الديكور. إن الديكور جزء مكمل للموضوع الذي يتناوله البرنامج، ولا يقل أهمية عن ملابس المذيعة والإضاءة أو حركات الكاميرا ( الإخراج)! بل إنه يتيح المجال للمخرج للحصول على لقطات فنية، قد لا تتحق في ظل وجود ديكور مسطح وجامد وغير جاذب. إذ لا يجوز أن يكون لون ملابس المذيع أو المذيعة من نفس لون الديكور! كما يُحبذ أن يُخبر الضيف بذات الشيء، لأن التجانس في الألوان يظهر المذيع والضيف وكأنهما (ملصوقان) بالديكور !لا تجوز الاستهانة بدور مهندس الديكور في البرنامج التلفزيوني، ولا بد من توفير الموارد البشرية والمادية لقسم الديكور، كي يقوم بواجبه على أكمل وجه، وكي يحل أية عقبات يمكن أن تسبب "تواضع" مستوى الديكور، ذلك أن الديكور يُشكل مكوّناً رئيسياً من (لوغو) المحطة، بحيث إن المشاهد يدرك أنه يشاهد المحطة الفلانية من طبيعة تشكيل وألوان الديكور في برامجها.وتجدر الإشارة إلى أن البساطة والبعد عن التكلف من الأمور البديهية في صناعة أو توليف الديكور، كما أن الديكور ذاته جزء مكمل للموضوع الذي يطرحه البرنامج. بل إن للديكور وظيفة هامة وهي بث الذائقة الجمالية في الجمهور، إذ عبر توليفات الديكور وتناسق ألوانه وأجزائه، يعطي المشاهد فرصة لقبول هذا الديكور ولربما يستأنسه، ويساهم في إثراء ثقافته وذائقته الجمالية.