28 أكتوبر 2025
تسجيلبعد اليونان تعصف أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو بالاقتصاد الإسباني، وهددت الأزمة الإسبانية استقرار القارة العجوز وامتدت آثارها لتطال العديد من الدول، لتصبح بذلك أحدث وأكبر دولة تطلب معونة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لتفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدة بنوكها المضطربة على تجنب خطر الإفلاس والعجز عن السداد. وقال الرئيس باراك أوباما في تصريحات الخميس الماضي، إن القادة الأوروبيين بحاجة إلى اتخاذ قرارات حاسمة على وجه السرعة بشأن اعتماد حزم إنقاذ مالية وتنفيذ عدة إصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشف تهدف لخفض العجز بالموازنة العامة من أجل حل الأزمة في منطقة اليورو، وذكر أن الركود في منطقة اليورو سوف يكون له أثر سلبي على اقتصاد الولايات المتحدة، باعتبار أن منطقة اليورو هي أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، وأضاف أن اليونان لا بد أن تعي تماما أن معاناتهم ستزداد سوءا على الأرجح إذا ما قررت الخروج من الاتحاد الأوروبي. أما بالنسبة للشرق الأوسط، لاسيَّما في دول مجلس التعاون الخليجي، فإن الآثار المباشرة لأزمة الديون في منطقة اليورو بالنسبة لها ستكون ضعيفة، خصوصا وأن الغالبية العظمى من دول الخليج العربي ترتبط عملاتها بالدولار الأمريكي. وهناك سبب آخر لمحدودية تأثر دول مجلس التعاون الخليجي بتداعيات الأزمة في منطقة اليورو، وهو أنها حصلت على فوائض مالية بسبب العوائد المرتفعة من أسعار النفط والغاز، خصوصا أن ٤١% من احتياطي النفط العالمي، و٢١% من احتياطي الغاز في العالم موجودة في منطقة الخليج، وفي ذات الوقت، فلقد تركزت معظم الاستثمارات الخليجية في أوروبا في المملكة المتحدة، وكذلك في فرنسا وألمانيا، والتي لم تتأثر بأزمة ديون منطقة اليورو بصورة مباشرة. ومع ذلك، فإن هناك طرقاً غير مباشرة، يمكن من خلالها أن تتأثر دول مجلس التعاون الخليجي، أولى هذه الطرق تتمثل في أسعار النفط والغاز، والتي تتأثر بعاملي العرض والطلب، حيث إن ازدياد حدة أزمة ديون منطقة اليورو سيؤدي لمزيد من الانخفاض في طلب أوروبا على النفط، فكلما ارتفعت مستويات المخاطر المرتبطة بمنطقة اليورو، كلما تراجعت التوقعات حول الطلب العالمي على الطاقة. وعلاوة على ذلك، فإن أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو قد تكون لها عواقب وخيمة على الاستثمارات التي تديرها الصناديق السيادية الخليجية، فهناك العديد من هذه الصناديق الخاصة بدول مجلس التعاون الخليجي لديها استثمارات في البنوك الأوروبية التي تعاني الآن من تداعيات الأزمة، لكنه من الصعب تحديد مدى الضرر الذي ربما قد يلحق بهذه الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، وذلك بسبب انعدام الشفافية، فنحن لا نعلم تماماً حجم سندات اليورو التي تم شراؤها عبر هذه الصناديق السيادية، وهناك احتمال بأن يصبح الحال مشابها لما حدث خلال الأزمة المالية للولايات المتحدة عام 2008. وهناك أيضا هاجس التضخم، وهو التهديد الذي بدأ يلوح في الأفق، خاصة أن العديد من السلع والبضائع في دول مجلس التعاون الخليجي، ومعظمها من المواد الغذائية، يتم استيرادها من أوروبا، ودول مجلس التعاون الخليجي يكفيها ما فيها من التضخم، فلقد وصلت معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي إلى أعلى معدلات التضخم، حيث ارتفعت بنسبة 11% في العام 2008 ثم تراجعت إلى 3.3% في العام الماضي مقابل 2.8% في العام 2010. وكانت التقارير قد عزت ذلك الارتفاع إلى دعم دول الخليج لقطاع الطاقة في الوقت الذي أثر قطاع الغذاء في ارتفاع التضخم بسبب نقص الإمدادات في الأسواق العالمية آنذاك، هذا بالإضافة إلى ازدياد معدل التضخم نتيجة الأزمة الحالية لديون منطقة اليورو، والذي يمكن أن يكون له تأثير كبير على الأمن الغذائي في المنطقة. وقد يكون لدول مجلس التعاون الخليجي ميزة على غيرها من البلدان، لأنها تمتلك ثاني أكبر احتياطي لعملتي الدولار واليورو بعد الصين، ولكنها تحتاج إلى أن تقي نفسها من أي تأثيرات محتملة لأزمة ديون منطقة اليورو، وذلك من خلال الإسراع في تنفيذ الوحدة المالية والاقتصادية من أجل الوصول إلى الاتحاد الاقتصادي، وتقديم نفسها ككتلة اقتصادية قوية، حتى يتسنى لهم تنفيذ السياسات التي يمكنهم من خلالها التحوط من الآثار المستقبلية للأزمة، فأزمة الديون في إسبانيا واقترابها من عين العاصفة، وتلك الهوة السحيقة التي وقع فيها عدد من المصارف الأوروبية، تحتم على دول الخليج العربية التحرك بشكل طارئ للحد من أي آثار سلبية محتملة من شأنها أن تنعكس على الاقتصاد الخليجي. ورغم تفاؤل المحللين بشأن الاقتصاد الخليجي، وتوقعاتهم بأن الأزمة في منطقة اليورو لن تطال دول الخليج ولن يكون لها تأثير كبير على المنطقة، فإنه من الحكمة أن تتهيأ دولنا الخليجية لأسوأ الاحتمالات، بأن يكون لديها شبكة أمان مالية في حال تدهور الوضع الاقتصادي الدولي. ويمكن لدول مجلس التعاون الخليجي استخلاص العديد من الدروس والعبر من خلال الأوضاع السيئة في منطقة اليورو: عدم التسرع في الاستثمار في أوروبا، لمجرد أنه يوجد هناك العديد من الفرص الاستثمارية المتاحة، علينا أن نتذكر أنه وفي ظل أزمة الديون السيادية في منطقة اليورو والتي لم تحل حتى الآن، فإن قيمة العائد من هذه الاستثمارات في المستقبل يمكن أن تكون متدنية للغاية على غرار ما حدث خلال أزمة الولايات المتحدة عام 2008. وإذا كان لا بد لدول مجلس التعاون الخليجي أن تستثمر في أوروبا، فينبغي لها أن تستثمر في قطاعات حيوية مثل المشاريع الإنتاجية أو الصناعية، وليس فقط الاستثمار في منتجات الرفاهية والقطاع الرياضي، حيث لا ضمان لعائدات مجزية. كما ينبغي أيضا لدول مجلس التعاون الخليجي أن تدرك تماما أن بعض الدول الغربية قد ترى في الفائض المالي للدول الخليجية فرصة من أجل أن تسعى بكافة السبل للسيطرة على اقتصاداتها تحت ستار عدد من الصفقات مع الشركات الكبرى، خاصة في المجالين العسكري والاستثماري. وأنه من المهم لدول مجلس التعاون الخليجي أن يكون لديها القدرة على السير والمضي قدما في سياساتها في توازن تام بين الحكمة والواقعية. وهناك أيضا عوامل أخرى يمكن أن تؤثر على الوضع في أوروبا، مثل صعود الأحزاب السياسية الجديدة، فلقد شهدت الانتخابات التي جرت مؤخرا في كل من اليونان وفرنسا وألمانيا، اكتساح الحزب الاشتراكي على بقية الأحزاب وبالتالي وصوله إلى السلطة في هذه البلدان، وهذه التغيرات السياسية يمكنها أن تؤثر على السياسات الاقتصادية للبلدان الأوروبية. وأن نأخذ بعين الاعتبار التداعيات المحتملة للأزمة، كاحتمال خروج اليونان من منطقة اليورو، أو إعلان المؤسسات المالية في اليونان إفلاسها، في حال لم تتفق دول الاتحاد الأوروبي على وضع حل جذري لإنقاذ البلاد. وينبغي أن نتأمل ونطيل النظر في المشاكل والصعوبات المالية التي تحدث في إسبانيا وإيطاليا، وسيكون من الحكمة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي أن تجول بنظرها في غيرها من الأسواق البديلة مثل الصين والهند والبرازيل والتي تشير التقارير إلى معدلات نموها الاقتصادي القوي، ويمكن للاستثمار في هذه الدول أن يعود بأرباح عالية. أو علينا الانتظار والترقب، فإن الوضع في أوروبا من المحتمل أن يكون أكثر وضوحا بحلول نهاية شهر يونيو الحالي، والذي سيشهد اجتماعات مهمة يمكن أن تنجم عنها قرارات قوية بشأن هذه الأزمة، حيث تجتمع مجموعة العشرين في المكسيك في الفترة من 18- 19 يونيو، بالإضافة إلى اجتماع الاتحاد الفيدرالي الأمريكي في 20 يونيو، وقمة الاتحاد الأوروبي في 28 يونيو الجاري، والتي من الممكن أن تضع الأسس لتحرك متعدد الأطراف لدعم الاقتصاد العالمي.