15 سبتمبر 2025
تسجيلفي الأسبوع الماضي نشرت وسائل الإعلام القطرية موافقة مجلس الشورى على مشروع قانون الأنشطة الإعلامية، وتناولها الكثير من المهتمين بالإعلام الصحفي من المواطنين على وجه التحديد بالمدح والترحيب بذلك القرار. ليست مهمتي في هذه الزاوية تناول مواد ذلك المشروع بالشرح والتحليل، وليست مهمتي التعقيب على ما قرأت من تعليقات المشاركين في الترحيب بالمشروع والتمني بالتفعيل وسرعة الإنجاز. إن ما أردت أن أورده هنا هو دور الإعلام ومكانته على كل الصعد. فالإعلام الذي نعايشه اليوم على امتداد العالم قد بلغ من التطور أشواطا بعيدة واتسعت دائرته ولم يعد بمقدور أي نظام سياسي أن يفرض الرقابة على الأفكار فيما قد تمتنع صحيفة ما عن نشر خبر أو مقالة لصاحب رأي سرعان ما ينتشر على كل وسيلة إعلامية ولو قدم الكاتب مقالته تلك بأنها منعت من النشر في بلد ما، فسرعان ما تتناقلها وسائل الإعلام الاجتماعي. مراحل التطور عند الأمم قسمت، فقلنا بعصر الآلة البخارية، وقلنا عصر النفط، وقلنا عصر غزو الفضاء وغير ذلك، اليوم نستطيع القول وبكل جدارة إننا نعيش " عصر الإعلام والاتصال أو عالم الاتصال " مارشال ماكلوهان" قال عن وسائل الإعلام: "إن الإذاعة تلائم نقل الخبر السريع والقصير، والتلفزيون يلائم نقل الأخبار المصورة، والمجلات تلائم تقديم التفسيرات الخبرية " لكن يعتبر هذا القول قديما بالنسبة لتلك الوسائل وما تلاها، فلم يعد الإنسان بحاجة إلى أن ينتظر إلى اليوم التالي ليقرأ تحليلات وتعليقات وتفسيرات لأي خبر فالحاسوب لم يترك مجالا ليوم آخر والهاتف النقال الذي يتابعك في كل مكان حتى وأنت في موضع " الاستجابة لنداء الطبيعة " أصبح ضرورة من الصعب الاستغناء عنها، كذلك التلفزيون لم يعد في حاجة إلى كاميرات تصوير واستوديوهات خاصة لإجراء مقابلة مع مفكر اجتماعي أو عالم فقد يستطيع التلفاز إجراء مقابلة من منزلك عبر الحاسوب الذي بين يديك ولن يكلفه أو يكلفك عناء. (2) الإعلام بكل أنواعه هو وسيلة الاتصال بين الحاكم والمحكوم خاصة في الدول التي ليس فيها منابر سياسية كأحزاب ومنظمات مجتمع مدني وبرلمانات، فإن الوسيلة الوحيدة بين القيادة السياسية والناس هي الصحافة ومهارة الصحفي في طرح مطالب الناس دون استفزاز للنظام السياسي، هي أيضاً وسيلة من وسائل الرقابة العامة على أداء جميع السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) (انظر مقالة السيدة مريم الخاطر عن ديوان المحاسبة ورد الديوان على مقالتها الشرق 14 / 6) وهنا نستطيع القول بأنه ليس كل من يكتب عمودا في صحيفة يعتبر صحفيا. الصحافة مهنة واحتراف ولها قوانينها وفلسفتها وأشخاصها ولها مناهجها وأسلوب تواصلها. من هنا يجب حسن اختيار الصحفي وإشباع تطلعاته المهنية والراتب المجزي والتأكد من أنه يسكن في سكن لائق به وبمكانته المهنية يؤهله على الإبداع. (3) جرت العادة في صحافتنا الخليجية الحديث عن الصحفي المواطن وكأنه الوحيد الذي يعمل بالصحافة في البلاد والمطالبة بتحسين وضعه ماليا وإعطائه حوافز تدفع به إلى الأمام ولا اعتراض لي على ذلك بل على العكس أضم صوتي إلى الداعين بالارتفاع بمستوى هؤلاء الصحفيين المواطنين ولكن لا ننسى أو نتناسى أن بيننا صحفيين عربا يعملون في صحافتنا ويبذلون جهودا عالية المستوى في سبيل الوصول إلى المعلومة الدقيقة في أي شأن من الشؤون بهدف إنجاح الصحيفة التي يعملون بها لكنهم في تقديري لا يشعرون بالأمن الوظيفي ولا بالأمن المهني الأمر الذي يجعلهم يترددون في الحصول على المعلومات حول أي أداء سلبي لأي مؤسسة خشية الوشاية بالصحفي الأمر الذي قد يفقد وظيفته. أضف إلى ذلك أن دخول الصحفيين العاملين في الصحافة الخليجية متواضعة وبالكاد تكفي حياتهم اليومية. هذا الأمر يعتبر معوقا من المعوقات التي تقف في وجه الإبداع وعدم بذل الجهد المطلوب. اضرب مثلا: اقرأ في صحافتنا الخليجية مقابلة مع مسؤول كبير حل ضيفا على الدولة الخليجية ويجري معه بعض الصحفيين مقابلة تحتل صفحة أو صفحتين من الصحيفة ثم تخرج بعد قراءة تلك المقابلة بأنك لم تضف إلى علمك علما إلا أنك اكتشفت أن ذلك الصحفي لم يعد نفسه إعدادا جيدا عن الشخص المستهدف ودوره السياسي أو الاجتماعي أو غير ذلك وهذا في تقديري يعود إلى الروح المعنوية التي يعمل بها الصحفي والأجواء في داخل بيئة العمل. إن عدم الاهتمام بدور الصحفي وإشباعه كي ينتج ويبدع لصالح الدولة والوطن يجعل منه موظفا فقط يؤدي واجبا وظيفيا ليس أكثر من ذلك.. (4) الدور المطلوب في هذه الحالة من الصحافة الخليجية الاهتمام أولا بحال الصحفي العربي مواطنا كان أو غير مواطن طالما يعمل لصالح الوطن، وتلمس نقاط الضعف عنده والعمل على تقويتها، الاهتمام بتحسين وضعه المالي وإشعاره بأنه ركن من أركان الصحيفة لا يمكن الاستغناء عنه بسهولة، إرسال بعض الصحفيين إلى مواقع الأزمات والحروب ليقرر للصحيفة من الميدان ولا يقول أحد من أصحاب الصحافة أن الجزيرة أغنتنا عن ذلك بمراسليها، الجزيرة تقدم صورة والصحيفة تقدم تحليلا لواقع الحال كما أشرت أعلاه. إن إبداع الصحفي لا يكتمل إلا في ساعات الرضا والأمان والاستقرار وإشعاره بأنه مهم لهذه الصحيفة أو تلك. آخر القول: حسنا فعل المشرع بإزالة عقوبة الحبس للصحفيين وليكمل دوره الفعال بتخفيض عقوبة الغرامة إلى أدنى حدودها، والنقطة الأخيرة التي أتمناها في دولتنا الحبيبة قطر إنشاء نادٍ للصحفيين يجمع شتاتهم ويكون مكانا لمقابلة الصحفيين القادمين من شتى بقاع الأرض لتغطية أحدات ومؤتمرات عالمية في بلادنا. إن ذلك النادي سيضيف خبرات إلى صحفيينا والعاملين معنا في صحافتنا القطرية.