10 ديسمبر 2025

تسجيل

الذكاء الاصطناعي يحول الخدمات المالية إلى الأفضل

14 مايو 2023

نضج الذكاء الاصطناعي بشكلٍ ملحوظٍ وأحدث ثورةً في قطاع الخدمات المالية، وبات بإمكانه تعزيز خدمة العملاء وتقليل التكاليف والحد من الاحتيال، ولكن فقط من خلال الإدارة الواعية. كان الذكاء الاصطناعي موجودًا في حياتنا بشكل ما لعدة عقود، ولكنه نضج بصورة ملحوظة في عشرينيات القرن العشرين، حيث أدت عدة عوامل مجتمعة مثل ظهور أجهزة الحاسوب الأسرع والبيانات الضخمة”Big data” والتحسينات التي حدثت في القدرات التنبؤية إلى خلق جيل جديد من الأدوات المتقدمة. وتمتلك دولة قطر استراتيجية للذكاء الاصطناعي، أعدها معهد قطر لبحوث الحوسبة، تلتزم بضمان أن تكون الدولة رائدة عالميًا في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في المجالات ذات الاهتمام الوطني. ويركز هذا المقال على آثار الذكاء الاصطناعي المترتبة على قطاع البنوك والخدمات المالية، حيث توقع تقرير صادر عن مؤسسة Autonomous Next Research في عام 2021 توفير الذكاء الاصطناعي لتكاليف تبلغ قيمتها 500 مليار دولار على مستوى العالم بحلول منتصف العقد الحالي. وفي هذا السياق، من المهم للغاية إعلان مصرف قطر المركزي في شهر مارس من العام الحالي عن استراتيجية قطر للتكنولوجيا المالية 2023 لتعزيز التكنولوجيا المالية المبتكرة. وقد دأبت العديد من البنوك القطرية على الاستفادة من التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أخذ البنك التجاري ومصرف قطر الإسلامي زمام المبادرة في تطبيقاتهما. وسوف يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر انتشارًا وتقدمًا مع توسع عملية استخدامه ودمجه في الأعمال. وسيتعين على الاقتصادات التكيف بسرعة وفعالية في هذه المجالات لضمان استمرار المنافسة والازدهار. ويتميز أحدث جيل من أدوات الذكاء الاصطناعي بقدرته على معالجة بيانات أكثر بكثير، وبشكل أكثر دقة، من أي إنسان، ويمكنه اكتشاف الأنماط وتوجيه البشر عند اتخاذهم للقرارات. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي لا يكون مفيدًا إلا إذا كانت البيانات التي يستخدمها دقيقة وحديثة. والمشاكل المعروفة في الذكاء الاصطناعي هي انحياز الآلة، حيث تتأثر المعايير بانحياز مصممي النظام ويمكن تضخيمها مع الاستخدام؛ وانحراف النموذج ‘Model-Drift’ الذي يشير إلى الفشل في تحديث نظام آلي مع تغير السياق. وإذا كانت نقطة الضعف الكبرى في الذكاء الاصطناعي هي البيانات السيئة، فإن نقطة الضعف الكبرى في الذكاء البشري هو سوء الأحكام – التي قد يغذيها الرغبة في عوائد غير اعتيادية في قطاع الخدمات المالية في كثير من الأحيان. ويمكن أن تقلل الاستخدامات الذكية للذكاء الاصطناعي من تأثير كليهما، وهو ما يعزز عملية صنع القرار ويقلل من التكاليف في آن واحد. وهناك ثلاثة مجالات تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد فيها هي قرارات الاستثمار، والقرارات الائتمانية، واكتشاف الاحتيال أو غسيل الأموال. وكثيرًا ما تُتخذ قرارات الاستثمار التي توظف الأساليب التقليدية باستخدام نسبة منخفضة من البيانات ذات الصلة. ويمكن أن يؤدي الاستخدام الذكي للذكاء الاصطناعي إلى تحسين ذلك بشكل كبير، لكن القرار النهائي لا يزال متروكًا للإنسان في العادة. وما يمكن للآلة فعله هو تقديم سيناريوهات تستند إلى التوقعات، مثل وضع سلسلة من السيناريوهات بناءً على مستويات مختلفة من أسعار الفائدة، مع مراعاة الرغبة المفضلة في المخاطرة. وعلاوة على ذلك، يمكن لمستشار الاستثمار الآلي اكتشاف الفرص التي قد تفوت حتى على محلل الاستثمار المتمرس بفضل قدرته على رصد الملايين من نقاط البيانات. وعند تقييم الجدارة الائتمانية للفرد أو الشركة، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي إجراء تحليل أكثر دقة بكثير لتواريخ الإنفاق والادخار. ويمكن اتخاذ قرار بشأن القروض بشكل أسرع وأكثر إنصافًا، حيث يُعتبر السلوك الماضي عمومًا أفضل دليل للمخاطر المستقبلية. ولا يزال بإمكان "الشعور الغريزي" ‘Gut feeling’ لمدير الائتمان أداء دور مهم، ولكنه يكون أكثر موثوقية إذا استفاد أيضًا من البيانات والتحليلات. ويتميز التداول الخوارزمي “Algorithmic trading” بسرعته وفعاليته الفائقة في اكتشاف فرص تحقيق العائدات المالية، ولكن المؤسسات قد ترغب في مراقبة التأثيرات الأوسع لقراراتها الاستثمارية، بما في ذلك الاعتبارات الاجتماعية والبيئية وتلك المتعلقة بالحوكمة. ويمكن لبعض التحليلات البشرية أن تساعد في التعامل مع مشكلة معروفة في الذكاء الاصطناعي تتعلق بالقابلية للتفسير “Explainability”: ففي بعض الأحيان يرفض النظام الآلي أحد القرارات الائتمانية، لكن النظام لا يمكنه تفسير السبب، وهو ما لا يثير إعجاب العميل المحتمل. وعند التحقق من السلوكيات غير القانونية، مثل غسيل الأموال أو تمويل الجماعات الإرهابية، يمكن أن تكون أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر شمولاً ودقة من الأساليب التقليدية. فعلى سبيل المثال، دفعت اللوائح التي تؤدي إلى إجراء تحقيق في المعاملات المالية التي تتجاوز مبلغًا معينًا العصابات الإجرامية إلى استخدام آلاف المعاملات التي تقل عن الحد الأدنى للحيلولة دون الكشف عن هذه العصابات. وبإمكان نظام الذكاء الاصطناعي المتقدم التعرف على مثل هذه الأنشطة المنسقة. ولن يتمكن فرد أو حتى فريق في كثير من الأحيان من تتبع أنماط مثل هذا العدد الكبير من التحويلات في عملية معقدة. وهناك اعتبار اجتماعي آخر، وهو الاعتبار الذي نوقش لفترة طويلة حول كيفية تدمير الأتمتة للوظائف. ومن الناحية التاريخية، تميل كل موجة من الثورات التكنولوجية إلى توفير مجموعة الوظائف وإلغاء وظائف أخرى كذلك، لكن صانعي السياسات سيحتاجون إلى مراقبة الوضع لأن هناك مناطق ومهن معينة قد تتأثر بصورة أكبر من غيرها. وقد توقع تقرير صادر عن مؤسسة جولدمان ساكس في شهر مارس من العام الحالي إمكانية تعرض ما يصل إلى 300 مليون وظيفة يشغلها الأفراد حاليًا لخطر الأتمتة واستعمالات الذكاء الاصطناعي. وتشير التجربة في مجال الخدمات المصرفية حتى الآن إلى أن أفضل الأساليب هي التي تتضمن دمج مزيج من الذكاء البشري والاصطناعي. وتأتي أكبر الأخطاء من عدم الاعتراف بنقاط ضعف كل منهما. ويمكن أن يؤدي تسخير أفضل ما في الذكاء البشري والاصطناعي بشكل فعال إلى تحقيق نتائج فائقة وحتى ثورية، للعملاء والشركات والمجتمع.