17 سبتمبر 2025
تسجيلفي حَوْمة البحث عن شخص تستريحُ إليه قد تُعييك المسافات، ثمة شخص صادق الحال، حاضر في كل شارع، يوشك أن يكون حكيماً على الرغم منه هذا الشخص هو الخياط، فهو يعمل بالحكمة عرف ذلك أو لم يعرف، أكثر شخص يمكنك أن تستريح إليه، فكل مرة تذهب فيها إليه، يأخذ مقاساتك من جديد، مترجماً عن سنة ( التغيير) فليس بعد الله ثابت إلا التغيير، أما الآخرون فيصرون على معاملتك بنفس المقاس القديم مهما تجددت أحوالك، يعلمنا الخياط أن لكل منا ذاتين لا ذاتاً واحدة، "ذات حقيقية وذات زائفة"، ولكننا نعيش جل حياتنا انطلاقا من الذات الزائفة لا من الذات الحقيقية، وهذا ما يطلق العداء مع ( الله، والنفس، والعالم ) وبين الخياط والمجتمع وجه شبه فكل منهما صانع أزياء، لكن الخياط يحيك لك ثوباً وأنت تعلم أنه ثوب، وأنه مفارق لك وحين يرقع لك ثوباً ممزقاً لا يخدعك لأنك ترتضيه على قاعدة أهون الضررين، وحين تَكثُر المِزَق لا تصلح الرُقع هكذا يصدقك، أما المجتمع فصانع أزياء زائفة ، لا تسترك بقدر ما تشطرك إلى نصفين، نصف يضيع منك ونصف لا تعرفه فالانتماء ثوب والدين ثوب واللغة ثوب وكلها على مقاس واحد يحددونه لك من مولدك حتى وفاتك، فهو يعطيك دفء الانتماء، وهو أمر ضروري لا بقاء لنا من دونه؛ لكنه يحرمك من حق الحرية. يعطيك الدِّين ؛ لكنه يحرمك من الإيمان. قد يعطيك مالاً لكنه يقيناً يسلبك الإحساس بالغنى . يعطيك اللغة؛ لكنه يُحَرِّج عليك المراجعة أو البحث في دلالاتها، ويبقى للخياط على المجتمع فضيلة أخرى، هي أنه يأخذ منك ويعطيك، لا دائن ولا مدين، أما المجتمع فيعطيك لكي يأخذ منك، ويبقيك مديناً حتى انقطاع النفس، وربما سمعت بقية من صدى صوت قادم من أعماق نفسك في لحظة وعى نادرة تسائلك: هل أنت أنت ؟ أم شيء آخر أرادوه؟ وعندها يولد الإيمان مع ولادة الوعي، لقد كره رسول الله ﷺ من الطارق حين سأله من ذا ،قال: أنا فقال : أنا أنا كأنه كرهها.!! فالكراهة هنا لا تتوجه للفظ باعتباره لازمة وهي من عفو الكلام في مخاطباتنا، إذن لابد أن تتوجه الكراهة إلى ما هو أعمق من مجرد اللفظ ألا وهو الوثوق بلفظ يورث وهما بالمعرفة تقعد بصاحبها عن طلب المعرفة الحقيقية فيتكلم بجهل ويصدر في سلوكاته عن غرور. قال القس سانت أوغسطين : لا أستطيع أن أدرك كل ما يجعلني "أنا" . في الواقع بين الذات الحقيقية والذات الزائفة شيء أكثر بكثير من مجرد سوء تفاهم فقد يعيشان زمنا طويلا في داخلنا ولا يلتقي أحدهما بالآخر ولو مرة لأن البون بينهما شاسع والمسافة بعيدة. إن المجتمع بتربيته اللاواعية للفرد يوقعه في مفارقات لا حصر لها فانظر كما قال حكيم: كيف نتعب وراء الراحة ونشقى في البحث عن السعادة ونفلس سعيا وراء الفلوس وعند الموت فقط نتذكر أننا قد نسينا أن نعيش!!