11 سبتمبر 2025
تسجيلتناولنا فى مقالنا السابق تحت عنوان مهارات التعامل مع الإعلام ما يتوجب على الفرد العادى معرفته ليستفيد من إيجابيات الإعلام بالقدر الذى يتجنب فيه سلبيات ما يبث على شاشات التلفزيون وما يُكتب على صفحات الصحف والمجلات سواء كانت ورقية أو إليكترونية . ولا شك أن الإعلام يتحمل مسئولية التدهور الثقافى والإجتماعى وكذلك الإرتباك السياسى كما أسلفنا .. وبناء على ذلك فإن نقطة الضعف فى كل المجتمعات سواء كانت شرقية أم غربية تكمن فى افتقار الأطفال والشباب إلى الخبرة وتجارب الحياة التى تمكنهم من التمييز بين ما هو ضار وما هو نافع لهم خاصة مشاهد العنف وما لها من آثار نفسية بالغة الخطورة على الأطفال فى المستقبل القريب والبعيد . ومن المسلم به أن مشاهد العنف فى وسائل الإعلام – خاصة التليفزيون – من أهم الأسباب التى تؤدى إلى السلوك العدوانى والجريمة والعنف فى كل المجتمعات حيث أنها السبب الرئيسى فى تنمية نزعة التدمير لدى الأطفال .. ويرجع ذلك كما يؤكد علماء النفس والإجتماع إلى أن الأطفال فى السن المبكرة تكون قدراتهم التحليلية والتمييزية ( وهى تماثل القدرة النقدية لدى الكبار ) محدودة للغاية لأنهم لم يصلوا بعد إلى السن التى تؤهلهم إلى القدرة على تحكيم عقولهم فيما يشاهدونه .. وبهذا فهم يتقبلون كل شئ . فما هو السبيل للخروج من هذا المأزق ؟ .. هل نمنع البث ؟ سوف يُجمع الناس على أن ذلك بات فى حكم المستحيل حيث أن العالم أصبح قرية كونية لا يمكن فيها حجب المعلومات أو إخفاء الحقائق فى ظل العصر الإليكترونى وسيطرة الإنترنت .. وما قد تمنعه دولة ما فهو لابد سيصل إلى أطفالها عبر شاشات الفضائيات التابعة للدول الأخرى . ولا شك أيضا أن المنع أو الحجب سيكون له معارضة شديدة تحت مسمى حرية الإعلام دون تقدير للمخاطر التى ستترتب على ذلك .. ولابد أن نعترف أن نسبة المشاهدين لهذه النوعية من الإعلام أصبحت فى تزايد مستمر – حتى بين الكبار بل والمثقفين أيضا – لأنها تحمل نوعا من أنواع الإثارة قد لا تتوافر فى برامج أخرى بغض النظر عن الآثار المدمرة التى يتسلل ما تبثه من سموم فى أعماق الأطفال مما يكون له آثار قاتلة ومدمرة فى المستقبل .. وهو الأمر الذى جعل علماء التربية وعلم النفس يحذرون من يوم يفيق فيه العالم بعد سنوات على مجتمع وقد تحول فيه البشر إلى وحوش يأكل بعضها البعض . والحل فى الأمر يقع على عاتق المجتمع أو الدولة بالدرجة الأولى .. ثم الأسرة ممثلة فى الوالدين .. ويكمن فى طبيعة ما يُسمح للأطفال بمشاهدته من كم البث المتناهى فى الضخامة واللامحدودية ليلا ونهارا وعلى مدار الأربع والعشرين ساعة وذلك وفق الآتى : - تنقية البث من المنبع حتى لا يكون هناك خطر من مشاهدة الأطفال لما يتم بثه عبر شاشات التليفزيون . - التنويه صراحة عن مشاهد العنف الموجودة فى الأفلام والمسلسلات . - التخفيف قدر الإمكان من المشاهد الحية والمحتوية على مشاهد عنف خلال الفقرات الإخبارية . - توعية أولياء الأمور من خلال برامج جادة إلى حقيقة أن كثرة مشاهدة الأطفال للعنف فى سن مبكرة سوف تكون ذات عواقب وخيمة وسوف يترتب عليها نتائج خطيرة تظل ملازمة لهم حتى بعد أن يكبروا . - تدريب الأطفال والصبية والشباب على ثقافة الإنتقاء – كما أسلفنا فى مقالنا " مهارات التعامل مع الإعلام " – والتركيز على حقيقة أن أى عادات مكتسبة وعلى الأخص فى سن الطفولة يمكن أن تسهم فى إفادة المجتمع وفى نفس الوقت من الممكن أن تلحق به أضرارا جسيمة . وفى النهاية فإننا نقول أننا أمام خطر داهم لا يهدد حاضرنا فقط بل يمتد ليشمل أجيالا لا حصر لها فى المستقبل .. وأن الأمر يجب أن يكون محل إهتمام كافة طوائف المجتمع ولذلك يجب أن نعمل على تقوية الرقابة الذاتية قدر الإمكان وهو دور الأسرة بالدرجة الأولى .. وعدم الإلتفات إلى الإتجاهات التى بدأت تظهر فى الولايات المتحدة الأمريكية " أكبر منتج لأفلام ومسلسلات العنف " وبعض الدول الأوروبية بأن مشاهد العنف تساعد الأطفال على التنفيس عما بداخلهم من النوازع العدوانية . وأخيرا فإننا نناشد ضمائر القائمين على إنتاج هذه النوعية من الأفلام والمسلسلات بالتنبيه إلى هذا الخطر الداهم ونقول لهم بأعلى صوتنا وبكل قوة أن الخطر ليس بعيدا عنكم وحتما سيكون أولادكم وأحفادكم من بين من سيكتوى بتلك النار التى أشعلتموها . وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله . بقلم : د . مصطفى عابدين شمس الدين