29 أكتوبر 2025
تسجيلنواصل حديثنا في هذا المقال عن الأعذار المبيحة للتخلف عن صلاة الجمعة أو الجماعة، فمنها: (9) رائحة كريهة لم يجد لها مزيلاً كرائحة الثوم أو البصل أو الكراث أو ملابس صناعته إذا كانت كريهة الرائحة، لكيلا يتأذى الناس للحديث الصحيح "مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ". وقال ابن المرابط: ويلحق به من به بخّر في فيه، أو به جرح له رائحة. ومثله جزار له رائحة كريهة منتنة، ونحوه من كل ذي رائحة منتنة كالسباك وعمال المراحيض وأمثالهم، لأن العلة الأذى وكذا من به برص وغيره من الأمراض قياسا على الثوم ونحوه بجامع الأذى.. وعلى من أكل — الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ — وجوباً أن يتجنب تعاطي ما تنتج عنه الرائحة في هذا اليوم، أو أن يستحضر له مزيلاً قبل تعاطيه من مثل تناول قدر من أعواد البقدونس الخضراء، أو بعضا من سفيف القرنفل أو مطحون البن أو قضم تفاحة، أو استعمال معجون أسنان ذي راحة نفاذة قوية تذهب معها رائحة الثوم أو البصل، حيث كان الحكم يدور مع العلة وجودا وعدما إذا وجدت العلة (الرائحة الكريهة) وجد الحكم بالامتناع عن شهود الجماعة، وإذا فقدت العلة ارتفع الحكم، فمن أمكنه التداوي والمعالجة لهذا العذر فله أجره في حرصه على شهود الجماعة ودعوة الخير (10) عدم وجود قائد لأعمى لا يهتدي بنفسه فيسقط عنه الحضور لشهود الجمعة ويصليها ظهراً في أي مكان إلا إذا وجد من يقوده أو يحمله متبرعا لزمته الجمعة لعدم تكررها — دون الجماعة — ذلك الحنابلة والمالكية والشافعية — وذلك حتى لا تعظم المشقة على المعذور، والمنة ممن تفضل عليه. وعن عمرو — عبد الله — ابن أم مكتوم. قال: جئت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقلت: يا رسول اللّه أنا ضرير شاسع الدار، ولي قائد لا يلائمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: أتسمع النداء؟ قلت: نعم، قال: ما أجد لك رخصة"،. وأخرجه أبو داود. والنسائي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ابن أم مكتوم، أنه قال: يا رسول اللّه، إن المدينة كثيرة الهوام والسباع، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم: تسمع حي على الصلاة. حي على الفلاح؟ قال: نعم، قال: فحي هلا. انتهى. ورواه الحاكم في "المستدرك" وصححه، وقد حمله العلماء على أنه كان لا يشق عليه التصرف بالمشي وحده ككثير من العميان. قال البيهقي: معناه لا أجد لك رخصة تحصل لك — بها — فضيلة الجماعة من غير حضورها، وليس معناه إيجاب الحضور على الأعمى. (11) حبس فى مكان أو حصر أو خائف من حبس بحق لا يجد له سدادا وحبس المعسر ظلم لقوله تعالى:" لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا "البقرة: 286 (12) مدافعة الأخبثين (البول والغائط) أو الريح لأن ذلك يحول دون كمال الخشوع والطمأنينة في الصلاة، للحديث "لاَ صَلاَةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ، وَلاَ هُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ ". (13) حضور طعام تتوقه نفسه لجوع أو عطش شديدين عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ —: "إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أَحَدِكُمْ وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَابْدَأُوا بِالْعَشَاءِ، وَلاَ يَعْجَلَنَّ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ". وهذه الأحوال تسقط معها الجماعة وتكون صلاة صاحبها حتى منفردا مكروهة عند أكثر العلماء إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة، وأما إذا ضاق الوقت بحيث لو أكل أو دافع الأخبثين خرج الوقت صلى على حاله محافظة على حرمة الوقت ولا يجوز تأخيرها. وعليه يحمل ما ورد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِ، عَنْ أَبِيِه قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ — صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ — يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَدُعِيَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَامَ وَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ." قال النووي في هذه الأحاديث التي وردت في هذا الباب كراهة للصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله لما فيه من اشتغال القلب وذهاب كمال الخشوع وهذه الكراهة إذا صلى كذلك وفي الوقت سعة فإن ضاق بحيث لو أكل خرج الوقت لا يجوز تأخير الصلاة. (14) ومن هذه الأعذار — عند الشافعية — ريح السموم الحارة ليلا أو نهارا، والبحث عن ضالة يرجو الظفر بها، والسعي فى استرداد مغصوب تم العثور على غاصبه، والسمن المفرط، والهم المانع من الخشوع، والاشتغال بتجهيز ميت، ووجود من يؤذيه في طريقه أو فى المسجد، وزفاف زوجه إليه فى الصلاة الليلية — وهو كذلك عند الحنابلة — وهذا عند المالكية أيضا مما تسقط به الجمعة والجماعة وقدروا المدة بستة أيام بسبب الزفاف، وكونه يخشى وقوع فتنة له أو به. (15) من عليه قصاص — بحيث لو ظفر به المستحق أو ولي المقتول لقتله. أو حد قذف — عند الشافعية والمالكية. إذا كان يرجى العفو عنه. (16) الفلج عند الأحناف. (17) من هذه الأعذار الزلزلة — نص عليه فى الحاوي — لأن فيها نوع خوف. ويشهد لها حديث ابن عباس حيث جاء فيه (العذر: خوفٌ أو مرضٌ) هذا والمرجو من فضل الله تعالى، أن يحصل ثواب وفضل الجماعة والجمعة لمن تخلف عنها أو انقطع لعذر من أعذارها الشرعية المبيحة للتخلف عنها. هذا على أداء الصلاة في جماعة المسجد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا " وعن أبي هريرة قال: (قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: من توضأ فأحسن الوضوء ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه اللَّه عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) فكل من نوى الخير وفعل ما يقدر عليه منه كان له — إن شاء الله تعالى — كأجر فاعله ولا حرج على فضل الله تعالى. ومع بياننا لهذه الأعذار فلا يعنى ذلك إيجاد سبيل أو رخصة للتنصل من جماعة الصلاة، ففضلها لا يقادر قدره، كما فى الصحيح، أما من تخلف عن جماعة الصلاة في المسجد وصلى فى بيته أو حيث يجلس — حتى من أصحاب هذه الأعذار — برفيقه أو زوجه أو ولده، حاز — إن شاء الله تعالى — فضيلة الجماعة إلا أنها فى المسجد أفضل وأعظم أجرا، ومن العلماء من اعتبر المنفرد بصلاته مع إمكانه الصلاة في جماعة اعتبره عاصيا — والله أعلم — ولم تفت رسول الله — صلى الله عليه وآله وسلم — فيما نعلم صلاة جماعة واحدة من الصلوات إلا ما أشرنا إليه من المرض لبيان الرخصة والجواز وهو المبين عن الله تعالى صلوات ربي وسلامه عليه. والله أعلى وأعلم وأحكم.