17 سبتمبر 2025
تسجيليشعر المرء بفرحة كبيرة وسعادة غامرة عندما يستطيع أن يحرز نجاحا أو يحقق إنجازا أو أمنية عزيزة، على مستوى حياته الخاصة، سواء كان ذلك في مجال التحصيل العلمي أو العملي المهني، أو بلوغ المكانة أو تحصيل الثروة وغيرها، لكن ماذا عنه عندما يكون سببا في إيصال غيره، من أصحاب الحاجة والظروف الخاصة إلى قمم النجاح والإنجاز، وتذليل الصعاب التي قد تكون عائقا في وجوههم؟! ليعيشوا حياة كريمة موفّقة كأقرانهم، ويتركوا بصمة مميزة في حياتهم. الجواب في الدراسة الأمريكية التي أعدها الباحث "ستيفن بوست" وأشار فيها إلى أن الأشخاص الذين يعملون بإخلاص لمنفعة الآخرين وخدمتهم دون مقابل يشعرون بالسعادة الغامرة والصحة، حتى إن فترة حياتهم تصبح أطول.العمل الخيري والإنساني قديما وحديثا استطاع أن يسطّر عددًا معتبرًا من قصص النجاح success-stories، سواء على مستوى الأشخاص أو المشاريع. ووقف وراء هذا النجاح -ولا يزال- محسنون ومتطوعون أو مؤسسات وجمعيات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني، ولكنّ قليلًا من هذه القصص ما تمّ تدوينه وتوثيقه، ومن ثم تقديمه وعرضه بأسلوب جميل، لأسباب كثيرة لعلّ أهمها الخشية من الرياء والسُّمعة، والرغبة في إخفاء المعروف طلبا لمزيد من الأجر، أو الإهمال وعدم الاكتراث بهذا الجانب وتأثيراته المهمّة.كثيرة هي قصص النجاح التي أخذ زمام مبادرتها شخص أو فريق عمل من المتطوعين فأحدثت تغييرات مهمة في حياة الأفراد والمجتمعات، وأظهر أثرها فرقًا بيًّنا في مسار ومستقبل حياتهم في مستويات مختلفة، انتشلتهم من قيعان الضياع والتشرد، ووضعتهم على جادة الحياة السليمة، أو أعادت البسمة إلى حياتهم بعد ألم ممضٍ أو يأس وقنوط وإحباط، أو أوجدت حلولا لمشكلات حياتية يعانون منها أو من البيئة المحيطة بهم.أهمية إماطة اللثام عن هذه القصص الناجحة في المجالين التطوعي والخيري الإنساني عظيمة لعدة أسباب:ـ دفع المحسنين وأصحاب المبادرات الإنسانية من المتطوعين لمواصلة جهدهم في مجال خدمة الناس من خلال رؤية ثمرة عملهم، فإذا كان الإنسان يسعد هو وأولاده وذريته بثمرة نجاحه الشخصي ماديا ومعنويا، ويحب أن يرى أثر ذلك عليه، فإنه على نحو متصلٍ يحب أن يرى أثر ذلك على غيره، لما يحققه له ذلك من سعادة روحية وطمأنينة نفسية ورضا داخلي ( وفقا لدراسة ستيفن بوست التي سبق التنويه لها في هذا المقال). ـ حثّ رجال الأعمال وأصحاب الثروات والشركات وشريحة الشباب من المتأخرين عن هذا الركاب الخيّر على أن يحذوا حذو من يسهمون في خدمة مجتمعاتهم، وأن يقبلوا على العمل التطوعي، لما يحدثه من تأثير إيجابي في حياة المبادرين والمستفيدين، والمجتمعات التي يعيشون فيها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. فضلا عمّا يتوجب عليهم في إطار المسؤولية المجتمعية والواجب الديني والأخلاقي.ـ الإسهام في تسويق المشاريع المماثلة من قبل نفس الداعمين أو الكافلين من المحسنين، أو من قبل متبرعين جدد بهدف الإسهام في صنع قصص نجاح مماثلة.ـ نشر هذه القصص يساعد على تبادل وتلاقح الخبرات في مجال العمل الإنساني، فقد تكون ملهمة للمهتمين بتطبيقها في بيئات أخرى، أو البناء عليها لتصميم مشاريع أو مبادرات أخرى، أو تطويرها ليكون نفعها أعمّ وأشمل.ـ توفير نماذج قصصية حقيقية -تراثية وحديثة- لدعم عملية غرس قيم العمل التطوعي لدى الأطفال والناشئة، ونشر ثقافة العمل الخيري والإنساني لدى الشباب وأفراد المجتمع، ونركز هنا على القصص، وما قد يتفرع عنها من أعمال إبداعية أخرى كالدراما والبرامج الوثائقية وغيرها، نظرا إلى الدور التربوي للقصة، مطالعةً ورواية وسردًا، وتأثيرها كوسيلة غير مباشرة ومؤثرة في تحويل القيم إلى أفعال وممارسات سلوكية.بقي أن نقول إن من المهم أن تكون هذه القصص صادقة من واقع الميدان العملي للعمل الإنساني والتطوعي، وأن يتمّ صياغتها بلغة راقية سلسلة، وقوالب تحريرية جذابة، على طريقة القصص الخبرية والسِّيَر، وإخراجها بصورة إبداعية، بعيدا عن الدعاية والتكلّف، لتكون أكثر إمتاعا ومتابعة وتأثيرا، سواء كانت مطبوعة أو مسموعة أو مرئية.