18 سبتمبر 2025

تسجيل

رئيس الصدفة

14 أبريل 2014

لم يعد شيء في عالمنا العربي يثير الاستغراب أو خارجا على المألوف، جراء السقوط المدوي لمنظومة أخلاقيات السلطة في العديد من الدول التي لم تحافظ على الجينات الأصيلة لرجال السياسة والحكم، وذلك جراء الانقلابات التي اجتاحت العالم العربي بطريقة ملتوية وفجة تجاوزت كل الأعراف والأدبيات التي عرفها تاريخ الشعوب في ثوراتهم أو نهوض الطبقات الحاكمة الجديدة، لذلك رأينا كيف أصبح فجأة ضابط عسكري لم يكن شيئا، مشروعا سياسيا لإنقاذ مصر في نظر طبقة إعلامية وسياسية طفت على السطح كما تطفو الجيف على سطح البحر، انقلبت للخلف دورة كاملة دون أدنى خجل. لقد ذكرت في مقال سابق هنا وبعد يومين من خروج السيسي على حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وإعلانه أن الجيش عاد ليحكم مصر الجديدة، قلت إنني لا أستغرب أن يطرح السيسي نفسه رئيسا للجمهورية عما قريب، وهاهو اليوم يحقق الأحلام المزعجة ليتقدم نحو كرسي عرش مصر على جثث الآلاف من أبناء الشعب ذهبت هباء، وتقدم حملته بلاغ الترشح رسميا كأول وأكثر مرشح حظوة في الوصول إلى مبتغاه عن طريق المراسلة دون أي عناء، وهذا لا يدعو سوى إلى الشفقة على مصر وأهلها الذين صدقوا أن العسكر سيتركون البلد وأهلها يقررون مصيرهم، ويؤكدون أنهم متواجدون كالدم في شرايين ذلك البلد الذي يعتبر زاوية العالم العربي الكبيرة، فجعلوها مسخرة. ومن باب إغلاق الباب أمام التفكير بمصير مقاعد الحكم في العالم العربي وتأسيس الديمقراطيات الحديثة المعاصرة التي تحقق للشعوب طموحاتها في واقع ومستقبل أفضل، يؤكد قلة ممن استولوا على المناصب العسكرية والقيادية في العالم العربي ومنها مصر والعراق وسوريا، أن الوصول إلى حق المشاركة في الحكم يحتاج إلى جثث وأشلاء ودماء وانهيار في منظومة الأخلاق وموت للأحاسيس الوطنية والقومية والدينية، عدا عن التآمر على الشعوب وإذلالهم، والتحالف مع الأعداء وإكرامهم واتخاذهم أولياء من دون الله وأبناء جلدتهم، فأكبر مناضل فيهم يتحول فجأة إلى وحش مفترس يقونن القتل والتدمير لمجرد خروج فئة أو حزب أو جماعة لتعلن معارضتها له ولعصابته.إن أكثر ما يثير الحنق من تصرفات هؤلاء الرعاع الذين جاءوا صدفة إلى مربع الحكم في العالم العربي أو جيء بهم، أنهم يعلنون دوما خوفهم على الوطن ووحدة أراضية وأنهم حماة لمصالحه، وما يفعلونه هو تلبية لمطالب الشعب الذي لا يعرفونه ولا يعرفهم أصلا، وأن البلد من دونهم ستتحول إلى ذرات غبار تتخطفها رياح العنف والضياع والاحتلال الأجنبي، ولذلك هم يقومون بتصفية المعارضين درءا للفتنة، ويقودون القتال لتحقيق الاستقرار، وكأنهم خلفاء الله على هذه الأرض والعياذ بالله، أو أن لهم ولاية من لدنه تعالى فهم الذين يرون ويقررون ويجب على الجميع تنفيذ رؤيتهم وقراراتهم.الأكثر مأساوية أن طيفا من البشر ينساقون خلفهم ويدعمونهم، لا بل ينخرطون في أعمال عنف أو قتال ضد المعارضة ويموتون دفاعا عن الباطل وهم يعرفون أنه الباطل، وهذا ما يجعلنا نشعر نحن العرب أننا نتقارب مع الذئاب في عقلية القطيع المتوحش، توجهنا غرائز لا فكر، أو تحركنا أضغان وكميات من الحقد والوحشية لمجرد أن هناك من يختلف معنا في الرأي أو يطالب بحقه في التفكير وتقرير مصيره، وهذا بالطبع مخالف تماما للطبيعة البشرية ولنواميس الفهم لدى البشر العاقل.وعودا على سي السيسي، سننتظر لنرى كم سيكون تنصيبه رئيسا للجمهورية مكلفا ليس في حسابات المال ولكن في الأعمال، فليس من الممكن لأي دولة راتبة ولها تاريخ مؤسساتي عريق أن يأتيها شخص قرر فجأة أن يكون رئيسا، حتى لو أنه أمضى سنوات منخرطا في طاولة حوار وتفاهمات وتنازلات مع جهات تمتلك قرار الصمت عن الصعود المزيف لنجم عسكري جاء صدفة ليعيد الدولة إلى حكم العسكر من جديد، وهو لا يمتلك أي رؤية اقتصادية على الأقل لتدعم خطط الخروج بمصر من أزمتها الاقتصادية، وتعطي أملا للفلاحين في القرى بيوم جديد لا يعود فيه الإقطاع بثوب جديد، أما السياسة فليس هناك داع لأن يكون من سمعناه كتلميذ يعيد درس المحفوظات أن يكون ثعلب سياسة، ما دامت إسرائيل تحقق غاياتها وتؤمن حدودها بواسطة أوامره المباشرة وغير المباشرة.مصر اليوم حتى يثبت أهلها أنهم أبناء الكنانة وأنهم الحاضنة التاريخية لرجالات القانون والعلوم والسياسة والقيادة، عليهم أن ينتخبوا رئيسا يجمع لا يفرق، ويخدم المشروع الوطني الذي بدأته الثورة لا أن يهدم إنجازات الدولة العريقة بدعوى وقف مد جماعة بعينها فيؤخذ الجميع بجريرتها، وعليهم أن يخرجوا للشارع لكبح الانفلات العجيب للإعلام الرسمي وشبه الرسمي والمتعاون والمنافق بمجمله كي لا تستخدم الصحافة ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة كأداة للفتنة بين أطياف الشعب المصري الواحد، خدمة لمشروع رجل جاء صدفة من العدم وسيذهب يوما إلى العدم كما جاء أول مرة، كما جاء نوري المالكي صدفة في غفلة من الشعب العراقي الثائر ليحكم الشعب بالشعب، ويدفع ثمن دماء الشيعة بدماء أهل السنة، وليشتري بدماء الشعب العراقي جميعهم ثمن مقعد حكومته القادم في الانتخابات المقبلة، وكل ذلك بصدفة الرجال الذين لم تأتي بهم الصدفة الحسنة.