16 أكتوبر 2025
تسجيللم تكن الحاجة إلى المنظمات الدولية وليدة المصادفة، بل إن ما عاناه العالم من ويلات الحروب، وما نادى به المفكرون والفلاسفة على مر التاريخ من تحبيذ السلام، ونبذ الحروب، كان دافعاً لكثير من التحركات الدولية من أجل السلام ونبذ استخدام القوة العسكرية. ويمكن تعريف القوة العسكرية بأنها "قوة القتل والتدمير" أو "قوة الاحتلال والسيطرة" أو "قوة القهر" وهي في العرف الدولي تعني "علاقة بين الدول تسمح لحكومة ما بأن تستحث حكومة أخرى على التصرف بطريقة ما، ما كانت لتختارها لو تركت وشأنها". ونظراً لما تميزت به الحرب العالمية الأولى من عنف وشراسة، فقد بدأ العالم يدرك بواقعية أكثر، تدهور الجدوى السياسية لاستخدام الحروب وتمثل ذلك في انصراف الولايات المتحدة وعزلتها، وفيما تضمنته المعاهدات الدولية التي أبرمت بعد الحرب على الحد من التسليح. وعدم تجاوب الجماهير مع الحرب في 1939 كما حدث عام 1914 وكانت أغلبية الشعب الألماني نهباً للقلق والاكتئاب".وقد أدى ذلك إلى إنشاء عصبة الأمم كمنظمة دولية تهدف إلى إقرار السلام العالمي وتشجيع التعايش السلمي ومنع الحروب وإدانتها، وقد حاول واضعو عهد العصبة أن يتضمن العهد آمال الأول الأعضاء في إقرار السلام العالمي إلا أن العهد جاء ملتوي العبارة، مذبذب المعنى، مشتبه القصد، باهت العقوبة. فلم تتمكن العصبة بذلك من تحقيق دور فعال في إقرار السلام. إلا أنها – في النهاية – كانت تنجح أحياناً في حل بعض المنازعات الإقليمية الطفيفة. كنجاحها في حل النزاع بين بوليفيا وبورجواي سنة 1938م. ونجاحها في تسوية النزاع بين السويد وفنلندا 1922م وتسوية النزاع بين بيرو وكولومبيا عام 1934م. إلا أن فشل العصبة في حل بعض النزاعات المزمنة، وضعفها أمام قوة الدول الكبرى - كفشلها في حل النزاع بين روسيا وفنلندا 1920 حين رفضت روسيا أن تنظر العصبة القضية – واندلاع الحرب العالمية الثانية أجهز تماماً على عصبة الأمم. وبذلك انتهى دورها الضعيف في حفظ السلم والأمن الدوليين. وأخذ العالم يفكر بعد ذلك في إنشاء منظمة أقوى نتيجة ما ظهر في الحرب الثانية من وحشية وضراوة تمثلت في استعمال السلاح الذري، وصدرت عدة تصريحات وعقدت مؤتمرات انتهت بمؤتمر سان فرنسيسكو الذي انعقد في المدة من 25 أبريل إلى 26 يونيو 1945 ووقع مندوبو خمسين دولة اجتمعت في هذا المؤتمر الوثيقة النهائية بالإجماع وهي ميثاق الأمم المتحدة التي أصبحت حقيقة واقعة في 24 أكتوبر 1945 حينما أودعت الدول الموقعة وثائق التصديق على الميثاق. وقد سجلت أهداف هذه المنظمة تسجيلاً واضحاً، وفي أقل عدد ممكن من الكلمات في أول بند من بنود هذا الميثاق: المحافظة على السلم والأمن الدوليين. ولكي تتحقق هذا يصرح للأمم المتحدة بأن تتخذ إجراءات جماعية للحيلولة دون كل ما يهدد السلم وأن تقمع كل تصرف من تصرفات العدوان، وتماشياً مع مبادئ العدالة والقانون الدولي، تكيف الظروف لفض المنازعات الدولية أو الانقسامات التي قد تؤدي إلى تهديد السلم. تنمية العلاقات الطبية بين الشعوب. وهذه العلاقات ينبغي أن تكون قائمة على أساس احترام مبدأ الحقوق المتساوية، وحق تقرير المصير للشعوب. التعاون بين الشعوب في سبيل التوصل إلى حلول للمشكلات الدولية ذات الصبغة الاجتماعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو الإنسانية والترويج للحقوق الإنسانية، والحريات الأساسية، وتشجيعها ورفع مستواها دون تمييز. وقد أخذت الأمم المتحدة على عاتقها منذ اليوم الأول لقيامها كثيراً من المهام فتنبت مشكلات اللاجئين، وحقوق الإنسان، وتقرير المصير. وشكلت لجاناً ووكالات متخصصة لتنمية التعاون بين دول العالم وما زالت حتى الآن تؤدي – بنجاح كبير- دوراً هاماً في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين. خاصة بعد أن زاد عدد أعضائها زيادة كبيرة نتيجة الاستقلال. ومع أننا لسنا بصدد تقييم دور المنظمات الدولية في حفظ السلم والأمن الدوليين إلا أننا سنورد مثالاً نكتفي به للتدليل على ضرورة وجود هذه المنظمات. فمع أن حفظ السلم والأمن الدوليين هو الاختصاص الأساسي لمجلس الأمن بالإشارة إلى السلطات الوقائية والعلاجية المخولة له وله الحق في استعمالها حسب الحالة حين يهدد السلم والأمن الدوليين. إلا أن الجمعية العامة أصدرت قرار "الاتحاد من أجل السلام". ومضمون هذا القرار منح الجمعية العامة الحق في استعمال القوة عند وقوع العدوان وذلك إذا فشل مجلس الأمن في إصدار القرارات اللازمة، مما أدى إلى نقل مركز الثقل في الأمم المتحدة إلى الجمعية العامة، كما أوصى هذا القرار بالاحتفاظ بعدد منظم ومدرس من القوات المسلحة يمكن استخدامه عند الحاجة وفقاً لإجراءات البلد الدستورية. الرأي العام – مجرداً – يعكس الآراء التي يعبر عنها بعض ذوي النفوذ في الحياة العامة. وقد تزايد الاهتمام في القرن العشرين بالرأي العام ومحاولة كسبه في صف قضية ما. ويتفق مع التعريف السابق، تعريف الفيلسوف "فيلاند" الذي يرى أن الرأي العام ليس رأي الشعب بأكمله. بل يصح أن نعتبره رأي طبقة لها الغالبية والقوة بين طبقات الشعب الأخرى. وهناك تعريفات كثيرة للرأي العام لعل من أقربها إلى الصواب – في رأينا – التعريف القائل بأن: الرأي العام هو الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية في فترة معينة بالنسبة لقضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش وتمس مصالح هذه الأغلبية أو قيمتها الإنسانية الأساسية مساً مباشراً".فاستقراء حوادث التاريخ يؤكد لنا مدى نجاح الرأي العام في فرض موقف معين. أو في اختيار شخص معين أو استبعاده، فالثورات مثلاً ما هي إلا تعبير عن الرأي العام وتذمره وسخطه. فالشعب الأمريكي كغيره من شعوب العالم – عزوف بطبعه عن الحرب، نتيجة تجاربه السابقة، وهذا السبب نفسه هو الذي كتل جماهير الشعب الأمريكي في انتخابات الرياسة في نوفمبر 1964م خلف الرئيس "جونسون" لا حباً في جونسون ولكن خوفاً من منافسه "جولد ووتر" الذي كان يدعو صراحة لاستخدام القوة النووية وإشعال نار الحروب.أما الرأي العام العالمي فيعرف بأنه الرأي السائد بين أغلبية شعوب العالم في فترة معينة نحو قضية أو أكثر يحتدم فيها الجدل والنقاش، وتمس مصالحها المشتركة أو قيمتها الإنسانية مساً مباشراً. ويشكل الرأي العام العالمي أسلوباً ناجحاً مع أساليب الضغط الأخرى التي تدفع بالحكومات إلى تغيير مواقفها في بعض الأحيان، وقد أخذ الرأي العام العالمي في التبلور مع بدايات هذا القرن وتمثل في سعي الأمم مجتمعة إلى إيجاد شكل منظم من أشكال الرقابة على مستوى دولي لمنع الحروب، وكان من نتائج ذلك تكوين عصبة الأمم، ثم هيئة الأمم المتحدة. ويبدو الاهتمام بكسب الرأي العام العالمي ومحاولات اجتذاب تعاطفه في تهافت الدول الكبرى على اكتساب ولا أكبر عدد ممكن من الشعوب النامية والصغيرة لتأييد سياساتها. كما يبدو في تنافس الدولتين العظميين على محاباة ومساعدة الدول الأصغر وجري كل منهما وراء كسب احترام تلك الدول. إذ أن ذلك يمثل ثقلاً سياسياً بمبادرتها السياسية، أو سلوكها العسكري، أو تمتدح سياستها الاقتصادية داخلياً أو خارجياً.ومن ناحية أخرى فإن تجاهل الرأي العام العالمي المعارض لسياسة ما، ولو كانت هذه السياسة آتية من دولة كبرى، أمر غير وارد.