28 أكتوبر 2025
تسجيل"ليش هيك؟" "لأنه الدنيا هيك". هو محمد شامل، مؤلف لبناني راحل أعدّ سيناريو مسلسل "الدنيا هيك" عكس من خلاله عادات وثقافات المجتمع اللبناني في أواخر السبعينيات بطريقة فكاهية وقريبة من قلب المشاهد إلى جانب نخبة من الممثلين وأبرزهم آنذاك فريال كريم، فايق أفيوني، وشفيق حسن، وغيرهم. جسّد شامل دور "المختار" كشخصية حكيمة ومثقفة يعيش في حيّ لبناني عتيق بين أسرته وجيرانه، الذين يحتكمون إليه في همومهم وخلافاتهم المهنية والاجتماعية والعاطفية، ويُجيبهم في كلّ مرة "الدنيا هيك". في المقابل، يردّ الناس البسطاء عليه بالقول: "الدنيا مش هيك.. نحنا اللي نعملها هيك" في أغنية جميلة كتبها ولحنها توفيق الباشا. لا يُمكنني تفسير الرابط النفسي أو العقلي الذي يُعيدني إلى هذا المقطع "الدنيا مش هيك.. نحنا اللي نعملها هيك" كلّما سمعت تعليق أحدهم وهو يقول "الدنيا هيك" في محاولة لدفع الناس إلى الاستسلام لواقعهم الذي يرغبون به تحت مسميات عديدة، غالبًا ما ندرجها تحت ذريعة الصبر، أو "التطنيش"، ولكن في قرارة أنفسنا نُفضّل الاستسلام للواقع على التجربة، والمغامرة، والتغيير. منبع فلسفة "الدنيا هيك" تجسّد أمامي في حوار دار بين موظفة سألت زميلها: ما الذي تعلّمته من وظيفتك بعد 15 عامًا؟ فأجابها: "تعلمتُ أن الموظف المجتهد يقوم بعمل الموظف الكسول، وأن تقييمه في نهاية السنة عادي لأن متوقع منه أن يقوم بكلّ هذه المهام، فيما يُمنح الموظف الكسول تقييمًا يفوق التوقعات لأنه لم يكن يُتوقع منه أصلًا أن يعمل"!. تداركتُ هذه السيكولوجية السائدة في مجتمعاتنا ليس فقط في الحياة المهنية، بل الأسرية أيضًا، حيث يُتوقع من الأخ الحليم ألا يغضب، والأخت الحنونة ألا تقسو، وإن غضب أو قست، أو عاملوا بالمثل، يتم جلدهم، رغم أن الموقف الذي صدر عنهم محقّ ولكنه غير متوقع. استثمار الرياضة في المواقف السياسية علنًا لم يكن متوقعًا، فعادةً ما تكون هذه الرسائل مبطنة. إلا أن فخرنا بالبطل المصري (علي عمر فرج) علني الذي وحّد الصوت العربي ورفض الوضع القائم "هيك" وقال "لنتحدّث عن فلسطين". لكنّ فلسطين المُحتّلة ليست على أجندة الأولويات العربية خاصةً بعد وصول الصواريخ الإيرانية إلى أربيل، في ردّ متأخر على مقتل قوات إيرانية في سوريا.. لهفة الكثير من المُحللين والمراقبين والإعلاميين التي تراهن على حرب أمريكية- إيرانية مباشرة، مدعاةٌ للتأمل. وكأن التاريخ لم يُعلّمنا أن شعوبنا دفعت وما زالت تدفع ثمن المفاوضات النووية، وكأن الأخبار الصاروخية أسقطت من حساباتنا أن الحضارة الأموية والبابلية دُمرَتا وأننا نُهلل كبيادق في لعبة شطرنج أمريكية- إيرانية. البيدق اللبناني مشغول بسعر القمح والدولار وكيفية توزيع الوجبات بين المنقوشة والكرواسان الخالي من الغلوتين، وعلى هامش الشعب منهمك بتعيين وزير الإعلام الجديد زياد مكاري بدلًا من "المخلوع" جورج قرداحي. مكاري الذي نُقل من عالم الهندسة المعمارية والفنون الجميلة والبيوت التراثية إلى الحقيبة الإعلامية يواجه مطالبات خليجية بتجريده من منصبه بسبب "تغريدات" سابقة "تُسيء" لدولة خليجية.. لذا أقترح على رئاسة الوزراء اللبنانية دمج وزارة الإعلام بوزارة الدفاع كحلّ يرضي جميع الأطراف وذلك في السياق العالمي الموجود حاليًا "هيك"، وسط اشتعال الحرب الرقمية الأولى من نوعها في العالم بين القوات الإعلامية الرقمية الأوروبية الأمريكية بوجه روسيا. في خلاصة مفادها: احذر مكر من يستخدم لسانه، ولا تقع في فخّ "الصمت من ذهب" لا تفلح هذه الحكمة مع لسان يُزيّف الحقائق، لأن من مصلحته أن تسكت عنه وله ومعه. ولا يغرنّك جواب "الدنيا هيك".. وفكّر "الدنيا مش هيك.. نحن من نصنعها هيك".