12 سبتمبر 2025

تسجيل

وسائل التواصل وضريبة الحرية

14 مارس 2021

للأسف "ابتلشنا" بما يسمى وسائل التواصل الاجتماعي، التي جعلت بإمكان أي شخص في أي مكان وزمان أن ينشر ما يشاء من افكار وآراء تهيم على وجهها في مشارق الأرض ومغاربها، لا تستطيع منعها أنظمة او سلطات، ولا تعرقل سيرها حدود او موانع او فواصل، تسبح في فضاء اثيري حر يجمع العالم بأطيافه وأعراقه وأجناسه، ولعل الكثيرين يرون أن في هذا الامر إيجابية كبرى، حيث وفرت هذه التقنيات الحديثة للكثيرين حرية التعبير وجني المال والانتشار والشهرة وغيرها من فوائد، ولعل هذا الامر صحيح إلى حد ما، ولكن السؤال الذي دائما ما يؤرقني، ما ضريبة هذا الانفتاح المطلق على العالم؟ وما تأثيره على قيم مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟ وما عواقب ما يطرح من أفكار وأنماط وسلوكيات مغلوطة ومشوهة على التشكيل الفكري والقيمي لعقول ابنائنا وبناتنا؟. لا شك اننا كلنا متفقون على أن الكلمة أمانة، وباعتقادي ان ما يحكم صياغتها واستخدامها أمران مهمان، الأول هو مجموعة التعاليم الدينية والمبادئ والقيم والأعراف الإنسانية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص لنا كمسلمين، والتي تقنن الاقوال والافعال، والامر الأخر هو العواقب والنتائج فلكل فعل رد فعل، فالانسان العاقل السوي الذي يدرك مدى أهمية أقواله وأفعاله على الاخرين يحرص دائما على تغليب المصلحة العامة للمجتمع على مصالحه الشخصية. ولكن للأسف ما نراه ونسمعه من البعض عبر هذه الوسائل في وقتنا الحاضر يدل على عدم ادراك للمسؤولية المجتمعية التي تقع على عاتق كل فرد من افراد المجتمع، فتجد أناسا يتكلمون في العرض والشرف والنزاهة، مطلقين لأنفسهم عنان الحكم على الاخرين دون النظر الى الابعاد الاجتماعية والنفسية على المتلقي، ودون الاعتبار بمشاعر وأحاسيس الاخرين، هم فقط يريدون تسوية حسابات معينة ولا تعنيهم النتائج بقدر التشويه والتشهير. قال تعالى في سورة "ق" الآية 18 "مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ"، يقول ابن كثير في تفسيره (ما يلفظ) أي ابن آدم (من قول) أي ما يتكلم بكلمة (إلا لديه رقيب عتيد) أي إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال تعالى: (وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) سورة الانفطار. فنحن قبل ان نخشى من العواقب الدنيوية والمتمثلة في سلطة القانون وتشريعاته وأحكامه التي تجرم مثل هذه الافعال، علينا أولا وأخيرا الخوف من عقاب الخالق عز وجل وحسابه الذي ستوضع عنده الموازين بالقسط وسيحاسب كل منا عما قال او فعل، قال تعالى "وَنَضَعُ ٱلْمَوَٰزِينَ ٱلْقِسْطَ لِيَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْـًٔا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ" (الأنبياء 47). وليس من يرتكب مثل هذه الأفعال فقط هو المدان والمتهم، بل حتى من يشاركه بقصد او من غير قصد من خلال نشر هذه الآفات بين افراد المجتمع حتى وإن كان بحسن نية، وكذلك متابعة امثال هؤلاء المتطاولين على القيم والأخلاق الاجتماعية الحميدة، فمجرد زيادة عدد المتابعين لهؤلاء تعزز من انتشارهم بشكل أكبر في الوسيلة التي يستخدمونها وتشجعهم على التمادي اكثر لكسب اكبر عدد من المتابعين والمتابعات. وختاما: لابد ان تكون هناك وقفة من قبل افراد المجتمع مع أمثال هؤلاء الذين يسيئون أولا لمجتمعاتهم ثم الى انفسهم، وقفة تتمثل في النصح لهم ان امكن، فالقصد دائما هو الإصلاح، فلاشك ان كل انسان فيه بذرة من الخير زرعت بفطرة من الخالق عز وجل، فإن لم تنفع النصيحة فلابد من التحذير منهم واتخاذ الإجراءات القانونية التي تردعهم وتحمي المجتمع من سمومهم. @drAliAlnaimi