26 أكتوبر 2025

تسجيل

صفة الغدر.. عنوان الدواعش

14 مارس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); أتذكر تماما أن دمعات قهر طفرت من عينيّ وقتما طالعت مقطع الشهيد مدوس العنزي يرحمه الله، وهو يكرر جملته الشهيرة "تكفي يا سعد.. تكفي يا سعد"، وقد بوغت بالغدرة الخسيسة من ابن عمه سعد العنزي، الذي لم تنفع معه كل رجاءاته من أن يضغط زناد "الكلاشنكوف" ويرديه قتيلا، في منظر أبكى كل من طالع ذلك المقطع، وتفجع على المروءة والنخوة التي تميز أبناء الشمال وغابت عنه.لا أسوأ أو أحط من الغدر، خصوصا إن أتى من ذوي القرابة أو الدين والوطن، والغدر خلق من أخلاق المنافقين، وسمة تميز السفلة من البشر، وتأباه النفوس السوية، ويترفع عنه أهل المروءات والخلق، وكل من يتصف بالشجاعة والإقدام والجسارة ينأى بنفسه عن أن يغدر، بل الغدر محّرم في جميع الشرائع السماوية لأنه سمة وضيعة، وكتبتُ وقتها سائلا الله تعالى أن يمكّن رجال الأمن بالسعودية من الثأر للشهيد مدوس، ولم تمض أسابيع قليلة، إلا وقد وتمّ قتلهما في محافظة «الشملي» بمنطقة حائل بعد حصار للشقيقين الشقيين.في يوم الجمعة الفارط، لم يخيب رجال محمد بن نايف آمال الوطن، وأردوا في إنجاز أمني باهر قتلة الشهيد بدر الرشيدي، الذي غدر به ستة من أبناء عمومته، واستدرجوه لموقع ناءٍ وهو أعزل، ثم قتلوه بدم بارد، دلالة على خسة وجبن تسِمُ هؤلاء الخوارج، فلم يستطيعوا النيل من هذا البطل الذي ينتمي إلى قوات الطوارئ الخاصة، إلا بالغدر به وهو أعزل.نبذ الغدر في كل الحضارات القديمة مقياس لنبل وسمو الإنسان، بل هو معيار لمصداقية ما يدعو الرجل ويؤمن به، ونتذكر سؤال هرقل عظيم الروم -وقتما ذهب له أبو سفيان- عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسأله: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ فقال أبو سفيان: لا. فقال هرقل: وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ. رواه البخاري.لا أدري عن هؤلاء الخوارج الذين باتوا يغدرون بقرابتهم وبني عمومتهم، أين هم من الحديث العظيم والمخيف الذي رواه أَبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عِنْدَ اسْتِهِ يومَ القِيَامَةِ، يُرْفَعُ لَهُ بِقَدرِ غَدْرِهِ، ألا وَلا غَادِرَ أعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أمِيرِ عَامَّةٍ. رواه مسلم.بالتأكيد أعرف إجابة هؤلاء الدواعش وقد كفّروا رجال الأمن، واستحلوا دماءهم حتى بالغدر للأسف الشديد، وحسنا فعلت وزارة الداخلية عندما دحرجت رؤوس منظريهم وكبار قادتهم قبل أشهر، فالخطر كل الخطر من أولئك المنظرين الذي يُحلّون لهم كل هذه الموبقات والجرائم الشنيعة بحجة كفر الدول وملوكها، وانتقلوا اليوم لتكفير رجال الأمن واستحلال دمائهم، وسيأتي اليوم الذي سيكفّرون المجتمعات الإسلامية برمتها.سينتهي بحول الله وقوته هؤلاء الدواعش قريبا، ولكن التاريخ سيكتب أنهم كانوا أهل خسة وغدر، وستسِمهم أبدا وتلصق بهم، خصوصا أنهم يستخدمونه مع قرابتهم ودمهم الذين يأمنون لهم، ونحن نقرأ في كتب التاريخ ما حفظه عن أسوأ من مارس الغدر، وسُطرت أسماؤهم القذرة بأحرف شائهة، وبكل صدق، ولا فرق عندي بين هؤلاء الدواعش وبين يهوذا الإسخريوطي -أشهر غادر في التاريخ- الذي كان واحدا من اثني عشر تلميذا من تلامذة سيدنا عيسى عليه السلام، وقام بالاتفاق مع كهنة اليهود على أن يسلم لهم سيدنا المسيح مقابل ثلاثين قطعة من الفضة في مكان خلاء، لأن اليهود كانوا يخشون القبض عليه أمام الجموع لئلا يثوروا ضدهم، وكان يهوذا يعرف الأماكن التي يختلي فيها سيدنا عيسى بتلاميذه.يهوذا ندم ندما شديدا بعد أن أتمّ صفقته الخاسرة مع اليهود بتسليم سيدنا عيسى عليه السلام، وعاد وردّ القطع الثلاثين من الفضة إلى كهنة اليهود قائلا: "لقد أخطأت إذ سلمتكم دما بريئا"، فأجابوه: "ليس هذا من شأننا بل شأنك أنت"، فألقى النقود، ثم ذهب وشنق نفسه.يهوذا خلد في التاريخ، مع صديق هرقل بروتس، كأسوأ ما تكون الخيانة والغدر من أقرب الناس لك، وهو ما سيميز هؤلاء الدواعش الذين يغدرون بقرابتهم اليوم، ولا أدلّ من النظرة الدونية والاحتقار الذي يسربل المجتمع السعودي من أقصاه لأقصاه تجاههم، فتلك الصور لجثث الرشايدة الست التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي وتلقيناها في جوالاتنا، لم نجد أحدا يتعاطف معها أو يتألم، رغم بشاعة تلك الصور، فالموقف منهم واحد وفاصل: لا مكان أبدا للتطرف والمتطرفين بيننا ولا تعاطف معهم.لا بد من توجيه شكر خاص لرجل الأمن الأول سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف، فبرغم الأعباء الجديدة التي أولاها له ملك الحزم، فإن الأمن بفضل الله تعالى أولا ثم بوجود سموه، لم يتأثر أبدا، بل ازددنا ثقة به وحبا واطمئنانا، وبالتأكيد تحية خاصة لرجاله من قادة الأمن الذين يقودون الحرب ضد تنظيمات التطرف بدهاء وحكمة وحنكة.سيدحر الدواعش.. لكن التاريخ سيعنون لهم صفة الغدر لأبد الدهر.