12 سبتمبر 2025
تسجيليبدو الأشد لفتا للأنظار في رؤية جديد المشهد المصري، أن الأحزاب السياسية تتوارى على صعيد ترشيحات الانتخابات الرئاسية المصرية لصالح الشخصيات العسكرية، فإذا كان حمدين صباحي وخالد علي قد ظهرا على خارطة المرشحين، فأعلن الأول ترشحه وتحدثت التكهنات من بعد عن احتمالات تغيير قراره، وظهر الثاني في برامج تلفزيونية متحدثا بلغة المرشح المحتمل دون إعلان ترشحه بل هو ركز على رؤيته الانتقادية لظروف الانتخابات، فقد ظهر على ساحة الموقف من الرئاسة– حتى الآن -ثلاثة من القادة ذوي الأصول والخلفيات العسكرية، أحدهما المشير عبدالفتاح السيسي، الحاضر في المشهد منذ إطاحة الرئيس المدني المنتخب د. محمد مرسي، وثانيهم الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة السابق والذي اعلن التراجع عن الترشح امس ، وثالثهم الفريق طيار أحمد شفيق الذي سبق له أن شغل موقع رئاسة الوزراء في آخر أيام حكم مبارك. تلك الحالة تكشف تراجعا لمكانة ودور الحالة السياسية الحزبية وتكشف هشاشة الأحزاب المدنية ومدى بعدها عن الأفكار التي طرحتها حول الحكم المدني، بل هي حالة تكشف مدى ضعف دور الشخصيات المدنية في الحياة السياسية المصرية.الأمر يبدو أشد وضوحا حين نقارن، الحالة الراهنة مع طبيعة المرشحين في دورة الرئاسة الأولى بعد ثورة يناير، إذ تقدم للترشيح حينها أغلبية كاسحة من المدنيين، ولم يكن وقتها على ساحة الترشيح من ذوي الخلفيات العسكرية سوى الفريق أحمد شفيق في مقابل ترشح كل من د.محمد مرسي ود. عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي وعمرو موسى وخالد علي وغيرهم. المشهد الراهن يكشف تراجعا للمرشحين من خلفيات مدنية من الانتخابات السابقة إلى القادمة، وهو ما يعيد المتابعين إلى المقولة المتأصلة في الواقع والتحليلات السياسية، بشأن الأحزاب الحقيقية في مصر، إذ يظهر مجددا أن الأحزاب ذات الشعبية الحقيقية، هي الأحزاب الإسلامية، وحين يخلو المشهد السياسي من تلك الأحزاب – رفضا للمشاركة أو إقصاء – فلا يكون هناك إلا العسكريون على مسرح الصراع لشغل أعلى مقاعد الحكم.وبتغير طبيعة المرشحين من الانتخابات السابقة إلى الحالية، يبدو المشهد الانتخابي مختلفا أيضا. وإذا كان قانون الانتخابات الرئاسية الجديد، قد أصبح مثارا لجدل حاد ودافعا لتراجع بعض المرشحين، فإن طريقة تقديم المرشحين المحتملين للرأي العام، صارت مختلفة أيضا، وتلك أمور كاشفة لما يجري ولما سيجري مستقبلا. وإذا كان المشير السيسي هو الحاضر في المشهد منذ 3 يوليو وحتى الآن، فقد وصل الأمر في تقديمه، أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانا يفسح الطريق لذلك، وحين جاء الدور على من تنطلق الشائعات يوميا حول ترشحهم ليدخلوا على المشهد الانتخابي، فقد جرى تقديمهم بطريقة مختلفة أيضا. لقد جاء تثبيت شائعات ترشح الفريق سامي عنان عبر حادث محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها. تلك الواقعة نقلت التكهنات المتناثرة حول احتمالات ترشح عنان إلى واقع فعلى بما أعلن على لسانه من تصميمه على مواصلة مشواره، ومن بعد أعلن عدم ترشحه، فيما جاء حضور الفريق شفيق في المشهد الانتخابي – هذه المرة - عبر التسريب الصوتي الذي نسب إليه وورد فيه هجوم حاد على تلك الانتخابات وعلى طريقة تقديم المجلس الأعلى للقوات المسلحة للفريق السيسي، بما جعله في صف الناقدين والمشككين في صدقية الانتخابات وجديتها.المشهد السياسي العام تتعقد خيوطه. الآن لدينا رئيس مدني منتخب مطاح به وموضوع خلف الأسوار، وفي الخلفية تبدو الأحزاب الإسلامية بجميع مكوناتها في وضعية الصراع والرفض المطلق لما يجري. ولدينا مرشحون عسكريون تراجعوا ليبقى الفريق السيسي، وباتوا في الطرف النقيض مما يجري على ساحة المشهد الانتخابي، ومرشحون مدنيون متراجعون عن الترشيح هذه المرة بما ينقلهم إلى الضفة الأخرى من أحداث وأوضاع سياسية أسهموا في صناعتها (30 يونيو 3 يوليو)، بما يطرح احتمالات إعادة ترتيب المشهد السياسي الحالي والمستقبلي في مصر. هل تنتقل البلاد إلى نمط جديد آخر من التحالفات السياسية الاضطرارية، المؤقتة أو الدائمة؟ وما تأثير ما يجري على الحراك المتواصل في الشوارع، وعلى المواقف الدولية والإقليمية؟ المشهد يزداد تعقيدا.