02 نوفمبر 2025
تسجيلتوجت الجهود الاستكشافية في مجال الطاقة لدولة قطر إنجازاتها باكتشاف حقل بحري للغاز قيمة مضافة في الاقتصاد الوطني، وهو يقف بثبات على أرضية صلبة من الاستراتيجيات الاستثمارية التي تعطي دفعة قوية لمصادر الدخل في النمو. فقد أعلن الجهاز الاقتصادي مؤخراً عن كشف تاريخي لحقل الغاز البحري باحتياطيات قدرها "2،5" تريليون قدم مكعب من الغاز، وهذا الإنجاز يعزز من مكانة الدولة كلاعب استراتيجي ليس في مجال النفط فحسب إنما في قطاع الطاقة النظيفة. وكشف سعادة الدكتور محمد السادة وزير الطاقة والصناعة أنّ الجهود الاستكشافية ترجمة لتوجيهات سيدي سمو الأمير المفدى في استغلال أمثل لموارد البلاد الطبيعية، وهي مخزون رئيس للأجيال القادمة، ويضع الدولة بمقدراتها البيئية على أعتاب مرحلة نوعية في سوق الطاقة. واللافت للانتباه أنّ اتفاقية استكشاف واقتسام الإنتاج في المنطقة البحرية بدأت من 2008 وأن المنطقة المستكشفة تقع بالقرب من حقل الشمال الذي يحوي أكثر من "900" تريليون قدم مكعب من الغاز، وما أود الإشارة إليه هنا أن الاكتشاف التاريخي يحقق رؤية عميقة بدأت من السنوات العشر الماضية، والتي رسمت ملامح السنوات القادمة في صياغة خريطة صناعة الطاقة النظيفة باعتبارها عصب اقتصاد المستقبل وركيزة لنمو مصادر الدخل المحلي. ويجمع خبراء الاقتصاد على أن الجهود الاستكشافية للطاقة تشكل دعماً لمخزون الدولة من الكهرباء والطاقة النظيفة والمعادن، وسيسهم في توسيع قاعدة المدن الصناعية بزيادة امتداد رقعتها الصناعية إلى مناطق بحرية وبرية غير مكتشفة أو مستغلة، وذلك بإنشاء المزيد من الموانئ الصناعية ومراكز التصدير ويفتح أسواقا جديدة للطاقة على المستوى الدولي ويعمق من الدراسات الاستراتيجية في قطاع مهم ويوفر عوائد وسيولة مالية ضخمة لإنعاش قطاعات أخرى. وتؤكد التقارير الدولية أنّ نمو القطاعات غير النفطية في دول مجلس التعاون الخليجي يرتكز على نجاح الخطط الصناعية، وأبرزها التوجه نحو تعزيز الطاقة النظيفة وابتكار سبل تنوعها وبناء منشآت ومراكز رصد لها، وأنّ الاكتشاف القطري يعد رقماً تنموياً يضاف إلى سجل الإنجازات التي حققها قطاع الطاقة في الدولة، فقد سجل العام 2012 رقماً إنتاجياً جديداً للغاز المسال ببلوغ خط الإنتاج "77" مليون طن سنوياً من الغاز. ويسجل القطاع غير النفطي نمواً بنسبة "9%" في العام الحالي وأن يزيد حجم الإنفاق إلى "140" مليار دولار على مختلف أعمال البنية التحتية والتعليم والصحة حتى السنوات العشر القادمة، ومن المتوقع نمو قطاع النقل إلى "15%" وقطاع البناء إلى "10%" وهذا نتاج العوائد الصناعية التي تركت أثرها على المجالات الأخرى. ومع هذا الحدث الصناعي المهم سيتيح للدولة إكمال مشروعات ضخمة عكفت على إعدادها وصياغة استراتيجياتها منذ عقد من الزمن مثل ميناء الدوحة الجديد والميناء الجديد والسكك الحديدية والطرق والجسور وإنشاء المدن الصناعية وغيرها، حيث تعتزم الدولة مد جميع هذه الخدمات بشبكة كهربائية متكاملة، علاوة على خططها المستقبلية في تخزين طاقة الكهرباء، بالإضافة إلى توجه الدولة إلى بناء منشآت للطاقة النظيفة والطاقة الشمسية، فإنه سيعمل على تمكين الدولة من تحديث المصانع وتطويرها واستحداث مجالات لهذه الطاقة. ومن هنا فإنّ توسيع القاعدة الإنتاجية للمدن، وقدرتها على تصدير الطاقة لأكثر من "23" دولة في قارات العالم، والاحتياطي الموجود في حقل الشمال بنسبة "20%"، والذي يعد أكبر الحقول الحرة في العالم جعلها قادرة على صياغة مفهوم جديد في الطاقة يقوم على الاستفادة من المشتقات بأقصى طرق ممكنة. فقد غيرت النظرة الاقتصادية للغاز من كونه مصدراً تقليدياً إلى طاقة نظيفة بديلاً للنفط، وبدأت بخطوات تمهيدية تمثلت في افتتاح مشاريع عملاقة كانت أرضية صلبة لزيادة الإنتاجية التي نراها اليوم، وأسست لصناعات يزداد الطلب عليها مثل صناعة أنابيب نقل الغاز والناقلات، وتطورت إلى فتح أسواق جديدة في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية واليابان وكوريا، وتدشين محطات لرسو سفن الغاز وحوض جاف لصناعة السفن وغيره. كما عملت الإنتاجية القطرية على استقرار أسعار الغاز عالمياً مما أوجد بنية تحتية ملائمة لإقامة مشاريع ضخمة، والدخول في مسار جديد هو الاستثمار في الطاقة والصناعة البحرية. وإذا تحدثنا بلغة الأرقام الموثقة إحصائياً فإنّ القيادة الرشيدة وخبراء الاقتصاد القطري لديهم اقتناع عميق بأنّ الحراك الصناعي في مجال الطاقة لا يتطور إلا بجهود متقدمة جداً في مجال الجهود الاستكشافية واتباع أحدث وسائل التقنية المبتكرة دولياً. ويعتبر الحقل البحري المكتشف نواة للطاقة المستدامة التي توفرها الدولة للأجيال القادمة، وسيكون مجالاً خصباً لإثراء الدراسات والأبحاث التي تعنى بالطاقة عموماً وبالطاقة النظيفة على وجه الخصوص لأنّ توجه دول التعاون ينحو إلى استغلال البيئة على الوجه الذي يحقق عوائد قيمة للسنوات القادمة.