13 سبتمبر 2025

تسجيل

عندما تخنق الأحرار العبرة!

14 مارس 2012

في الليلة الأولى لظهوره الإعلامي عبر قناة الجزيرة بعد استنشاقه عبير الحرية إثر انتهاء محكوميته التي قضاها ظلما وعدوانا خنقت العبرة الإعلامي المعروف تيسير علوني ألما وحزنا على ما يلاقيه أهله من أبناء الشعب السوري على يد جلاديه في لحظة وجدانية مفعمة بالأسى والحزن تركت تأثيرا كبيرا في نفوس ملايين السوريين والعرب الذين تابعوها. هذه العبرة التي خنقت تيسير علوني اختزلت بداخلها صورا مركبة من الظلم عانى منها الرجل بصفة شخصية غير مرة أو عايشها عن قرب ـ وما زال ـ بوصفه إعلاميا وناشطا سياسيا وإنسانا. تيسير ربما يكون أقدر من غيره بحكم صنعته وعمله ومعاناته الشخصية على الإحساس بفداحة الظلم الذي يقع على كل مطالب بالحرية والكرامة ومدافع عن حرية التعبير ومنافح عن الحقيقة في بلاده، والثمن الذي يدفعه غاليا في مواجهة نظام إجرامي لا يعرف خطوطا حمراء في مواجهة ثورة شعبه، ولذا انفجر هذا المخزون الوجداني في ذاكرته ـ عبر عقود ـ دفقة واحدة في لحظة لم تستطع رقة قلبه ورهافة إحساسه تحملها. عانى تيسير من أنواع مختلفة من الظلم والقهر، وعايشها عن قرب وكتب عنها ووثقها صوتا وصورة، فهو عانى ظلم النظام وحزبه القائد اللذين حرماه من رؤية بلاده منذ أكثر من ثلاثة عقود بسبب انتمائه السياسي، وحال بينه وبين مرابع الأحبة ومراتع الصبا حتى ابيض شعر رأسه ووجهه، وها هو يواصل معاناته اليوم وهو يرى بلده سوريا ومدينته "دير الزور" تتعرض لذبح ممنهج وقتل مخطط على مدار عام كامل. وعاين تيسير الظلم عن قرب حينما رأى صورا من استخفاف من يوصف بالعالم الحر الذي يتشدق بتبني قيم العدالة والحرية والديمقراطية بكرامة الإنسان العربي والمسلم في كل من أفغانستان والعراق اللتين عمل فيهما مراسلا في أوقات السلم والحرب، وعرف حقا كيف أن حياة الإنسان وآدميته في تلك الدولتين لم تكن تعني للأمريكان والقوى الغربية المتحالفة معها شيئا يذكر، حينما كان يقتلون عشوائيا ويعذبون بطرق وحشية ويستخدمون أسلحة فتاكة (كيماوية أو جرثومية أوغيرها..) ضد المدنيين بدون تمييز. وتعرض تيسير لمحاولة القتل العمد مرتين الأولى في أفغانستان والأخرى في العراق عندما حاول الاحتلال الأمريكي الغربي منع وصول الحقيقة للناس عبر قناة الجزيرة ولكن الله نجاه، ثم أصرّ حقد هذا الاحتلال وحلفائه ـ بعد فشل محاولات قتله الفوريـ أن يميته ميتة بطيئة عبر تلفيق تهم باطلة ضده، ومن ثم سجنه وحجزه في إقامة جبرية زادت مدتها عن سبع سنوات، ولكن تيسير خرج بفضل الله ومنته منتصرا بعد أن تمت تبرئته من المحكمة الأوروبية التي انتصرت له على القضاء الإسباني. عندما تذرف الدموع من عيني تيسير وينحبس الكلام في حلقه في أول يوم من أيام استرداد حريته المسلوبة فلا غرابة في ذلك لأنه كان يستحضر ـ وهو الليث الهصور ـ الذي طالما دافع عن قضايا الناس العادلة، ونقل همومهم، وكشف عن الوجه القبيح لجلاديهم والمتآمرين عليهم كان يستحضر ما يتعرض له شعبه من جرائم لا تقل فظاعة ـ بل تتفوق ـ عما جرى له أو عاينه، ففي سوريا أصبح القتل وجبة يومية يمارس بأبشع الصور، ودون تفريق بين شاب أو شيخ أو طفل أو امرأة ولا بين الأصحاء وبين أصحاب الاحتياجات الخاصة، وكان آخر هذه المشاهد المجازر الكبيرة بحق المدنيين والذبح بحد السكين للمدنيين العزل. أما صور التعذيب قبل الثورة وأثناءها فهي قصة مخيفة سطّرت فيها كتب كثيرة وشهدت عليها جدران سجن تدمر الشهير وأقبية سجون المخابرات وفروعها الكثيرة وهي لا تقل بشاعة عن سجن أبو غريب أو غوانتنامو، وأما اللاجئون فهم في تزايد كبير مشردين بين تركيا ولبنان والأردن يحملهم على ذلك اتقاء بطش النظام.. وهكذا يكون الشعب أسير عصابة لا نظام حكم، تمارس في حقه كل صور الظلم والقهر. وكما سعى الاحتلال إلى طمس الحقيقة التي اجتهد تيسير في نقلها للأمة عبر الجزيرة في أفغانستان والعراق بمحاولة قتله ومنع الجزيرة من الوصول إليها ميدانيا، مارس النظام السوري منذ بدء الثورة السورية وحتى الآن دورا دعائيا بشعا في تزوير الحقائق واختلاق الأكاذيب ونسب العنف لحراكها السلمي الذي يغلب عليها، مستغلا منعه لوسائل الإعلام العربية والدولية النزيهة والمحايدة من العمل، ومنع أي مراقبين محايدين من التأكد مما يزعمه، وما يحدث فعليا على الأرض. ولم يتورع عن قتل الصحفيين الأجانب حتى يخيف أصحاب هذه المهنة التي يشكل حضورها كشفا لما يقوم به من جرائم ضد الإنسانية، واعتقال آخرين وإهانتهم في معتقلاته، وتهشيم حناجر من يشدو بالأهازيج أو يردد الشعارات ضده من جماهير شعبه، كما قام من قبل ذلك وبعده باعتقال الصحفيين السوريين الشرفاء الذين رفضوا أن يكونوا أبواقا له، بل العكس من ذلك صدحوا بكلمة الحق فدفعوا ثمن ذلك سجنا وعسفا وإيذاء. فهل يستغرب بعد كل ذلك أن تخنق تيسير العبرة؟!.. وكما يقال: ليس من رأى كمن سمع.