14 سبتمبر 2025

تسجيل

البحث عن القيادة الرشيدة للمؤسسات العربية

14 فبراير 2024

لقد بدأ اهتمام المؤسسات والأفراد أيضاً بثقافة الإدارة الرشيدة في نهاية القرن العشرين، عقب حدوث انهيارات اقتصادية كبيرة في المؤسسات والشركات، وذلك لا شك من أسبابه نقص الكفاءات الإدارية الرشيدة في التفكير القيادي، وعدم الأخذ بمبدأ الحوكمة الرشيدة.والإدارة بشكل عام هي عملية لتحقيق التعاون والتنسيق بين الموارد البشرية والمالية والمادية لتحقيق الأهداف المُخطط لها. أما بالنسبة لمفهوم كلمة «الرشيدة»؛ فهي تعني تحقيق الأهداف المطلوبة بأقل جهد، وأقل وقت، وأقل تكاليف، دون أي هدر. فالإدارة الرشيدة هي أن تعمل المؤسسة بكفاءة عالية، وتُدار بشكل مناسب ورشيد، وتحقق الأهداف المطلوبة بأقل وقت، وأقل تكاليف، وأقل مجهود، وتلتزم بالقوانين المعمول بها في الدولة. والحوكمة الرشيدة يمكن تطبيقها على مؤسسات الدولة، والشركات، ومنظمات المجتمع المدني. والحوكمة الرشيدة هي إدارة رشيدة قائمة على النزاهة، والشفافية، والمحاسبة، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة، وتطبيق القانون على الجميع، مع وجود رقابة داخلية وخارجية.والآن تواجه الإدارة المعاصرة عدة متغيرات عالمية، وإقليمية، ومحلية، وعلى الإدارة أن تراعي تلك المتغيرات، وتستفيد منها، وتسهم في إحداثها بدلًا من أن تكون رد فعل لها.وتعتبر الحوكمة الرشيدة إحدى الوسائل الهادفة لمقابلة هذه المتغيرات الحادة لتحقيق التنمية الاقتصادية، وتحقيق رفاهية المجتمع، وإرساء قيم الديمقراطية، والعدالة، والمساواة في الفرص، وتعزيز سيادة القانون، ورسم الحدود الفاصلة بين المصالح العامة والخاصة، وعدم استغلال المنصب والنفوذ. وتتفق جميع الآراء على أن الحوكمة الرشيدة تعتبر أداة ضرورية وليست أداة رفاهية، لتحسين نوعية الحياة، وتحسين مستوى معيشة الأفراد في المجتمع، خاصة في الدول العربية، وتحسين مستوى المشاركة من جانب المواطنين، وتعزيز روح الديمقراطية. ومن أهمية الحوكمة أنها تحقق الانضباط المالي والإداري في كافة المنشآت والمنظمات، وتُساهم في تخفيض مخاطر الفساد المالي والإداري، كما أنها تُساهم في جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتوزيع أمثل للموارد. فالتحديات التي تواجه الحوكمة الرشيدة في الوطن العربي ليست سهلة بل مليئة بكثير من العوائق لمواجهتها، ومن ذلك أن أنظمة الإدارة العامة لا تلبي حاجات المواطنين، وهناك قصور وسائل المساءلة المؤسسية، وإعاقة فرص مشاركة المواطنين في عمليات اتخاذ القرار، وعدم تمتع المواطنين بالحقوق الأساسية، وعدم تفعيل دور الأجهزة الرقابية سواء الإدارية أو الشعبوية. وقد أدى غياب المساءلة، وضعف الرقابة، وانعدام المحاسبية إلى انتشار الفساد الإداري في الدول العربية. وتعتبر الرشوة، والسرقة، وعدم الأمانة، واستغلال النفوذ والسلطة، والسلبية، والأنانية، والتسيب الإداري، وغسيل الأموال، والنميمة وغيرها من مظاهر الفساد الإداري في البلاد العربية. وهذا الفساد الإداري يؤدي إلى إهدار الموارد، وانهيار المؤسسة بأكملها.ومن الملفت للنظر والغريب أن البلاد العربية تختلف عن كثير من الدول في الفساد الإداري؛ حيث ينتشر فيها نظام المحسوبية الإقليمية والقبلية في إسناد الوظائف، واستغلال النفوذ. لذلك أتت الإدارة الرشيدة أو القيادة الرشيدة، وهدفها الأسمى هو القضاء على الفساد الإداري بكافة أنواعه وظواهره وأشكاله. ولقد كانت هناك جهود دولية لمكافحة الفساد الإداري على مستوى العالم ومن هذه الجهود ما كان في عام 2005م عندما أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية دولية لمكافحة الفساد مكونة من 14 مادة. ولا ننسى كعرب ومسلمين أن الدين الإسلامي وضع منهجًا لمكافحة الفساد الإداري، فقد كانت هناك شروط وضوابط صارمة في اختيار القائمين بالخدمة العامة وليست عن طريق التعيينات البراشوتية أو القائمة على المحسوبية، وقد كان هناك عملية رقابة، وعملية تقويم وإصلاح للجهاز الإداري في الدولة الإسلامية باستمرار، وطبق عمر بن الخطاب قاعدة: «من أين لك هذا؟»، على الولاة، والعمال، والموظفين في الدولة الإسلامية.