13 سبتمبر 2025

تسجيل

متى نلحق بالركب؟

14 فبراير 2024

يتفرد نظام البناء العربي للمنازل بمميزاتٍ قد لا توجد في غيره، فغالبًا ما نجد في كل فيلا، حتى ولو كانت صغيرة، تجد فيها مطبخا داخليا ومطبخا خارجيا أو ما يسمى بـ “Dirty kitchen”، المطبخ الداخلي لا يقدم وجبات دسمة، وعادةً ما يكون جزءا من الديكور تتباهى به ربة المنزل أمام الضيوف، بينما هو مجرد واجهة صورية يقدم من خلاله ما يأتي من المطبخ الخارجي الذي يتولى طبخ الوجبات الرئيسية بعيدًا عن أعين أفراد الأسرة، وهنا تغيب الكثير من التفاصيل عن نظافة الطعام، وجودة مكوناته، ونزاهة العاملين على تجهيزه. ويبدو أن مبدأ «المطبخ الخارجي» قد راق لصنّاع السياسة العرب، فتجد في بعض الدول حكومات كاملة الأركان لكنها شكلية والسبب أنها جاءت بنظام محاصصة أو استرضاء لبعض التيارات أو محاباة لأصحاب النفوذ من عبّاد الوجاهة والمال، ويترتب على إثر ذلك طبعًا ضرورة وجود حكومة ظل أو ما نسميه مجازًا بـ «المطبخ الخارجي» لتحل محل الحكومة المعلنة في اتخاذ القرارات الحساسة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو غيرها. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل امتدت يد بعض الأنظمة لتصنع من مجالس النواب وممثلي الشعب ومؤسسات المجتمع المدني وشعارات حرية الصحافة وحقوق الإنسان صورة صورية مضللة عن حقيقة الواقع، صورة تتباهى بها الأنظمة الاستبدادية أمام المجتمع الدولي ومنظماته التي لا تفتأ تطالب بالإصلاحات والشفافية والحوكمة ومحاربة الفساد، لكنها في حقيقتها مؤسسات مشلولة أو مخترقة لا يعطى من يعمل فيها فرصة لتفعيل دوره، وعليه أن يتقدم بطلب لـ «المطبخ الخارجي» وينتظر التوجيه حتى لو كان الأمر لا يتعدى سلق البيض. وعندما يسحب البساط من تحت مؤسسات الدولة فنحن نتحدث عن استبداد مقنع وهو أخطر من الاستبداد المعلن، ففي الحالة الأخيرة يتحمل رأس النظام بكل شجاعة المسؤولية الكاملة عن تبعات قراراته، في حين أنه في حالة الاستبداد المقنع يجد النظام فرصة للتنصل من تبعات قراراته ويحمل ممثلي الشعب ما يترتب عليها من إخفاقات رغم أنه الصانع الأوحد للقرار من خلف الستار. إن من المؤسف حقًا هو أن بعض الشعوب والمجتمعات أصبحت هي أيضًا جزءا من منظومة الأنظمة الغير رشيدة على مستوى العالم، تتبنى ممارساتها وتتماهى مع رغباتها وتنفذ أجندتها الضيقة بعلم أو بجهل كلما وجدت إلى ذلك سبيلا، فتجدها تكرس الرجعية في ممارساتها التي من المفترض أن تكون ديمقراطية، وتركن إلى المحاباة والمحسوبية في اختيار ممثليها بعيدًا عن الموضوعية والنزاهة، ثم تجدهم يتحدثون ملء أفواههم عن الولاء للوطن وهم يبيعون مستقبله بدراهم معدودة، ومن كان ذلك ديدنه فلن يلحق بالركب ولن يعبر قنطرة. والله من وراء القصد