30 سبتمبر 2025

تسجيل

فكرة الموت ومنطق الطير

14 فبراير 2022

أصبحت مومناً إيماناً شبه مطلق بأن حياة الإنسان تعتمد في جودتها عَلى مدى تصالحه مع فكرة الموت، حيث إنه المصير القادم لا محالة ولا مفر منه ويزداد ضغط هذه الفكرة كلما تقدم الإنسان في العمر، استرجعت ماضياً عشته، حيث في صغري كنت من أشد المولعين بصيد الطيور، بداية بالفخ أو " الشداخة" قبل أن نستخدم بنادق الصيد بعد ذلك، وشدني أثناء ذلك تصرفات بعض الطير في مواجهة الفخ المنصوب له، كنت أرقب ذلك بتركيز كبير حيث إن شعوري متأصل منذ الصغر بدرجة الإحساس بالوجود وسريانه وانقضائه، لاحظت من بعض الطيور عجباً، من أشهر الطيور التي كنا نصطادها "المدّقي" وهو طير في منتهى الذكاء، حيث يتعبنا في مراقبته وملاحقته حتى وهو عَلى ادراج الفخ ويهم بالانقضاض عَلى "العتلة" الدودة التي نضعها عَلى حدة الفخ ليلتهمها ويسقط بالتالي ضحية للفخ، يناور كثيراً ويتحرك بعيداً وقريباً رافضاً فكرة الموت ومحاولاً تجاوزها وعبورها نحو مزيد من الحياة، كم كان يبدو قلقاً في لحظاته الاخيرة وكأنه يخاف فكرة الموت ويناور قدر المستطاع رغم جوعه الهروب منها ثم يقفز قفزته الاخيرة في الظلام إيماناً منه أنه سينجو وقد ينجو بل ونجا في أحيان إلا أنه في معظم احيانه كان يسقط ضحية للفخ، لكنه كان يبدو انه عاش دقائقه الاخيرة في قلق، كما يعيش انسان اليوم الذي لم يتصالح مع الموت في قلق مستمر، عَلى الجانب الآخر هناك طير صغير نسميه" البَصوّه" ولا نعمل له اهمية لصغره وفي الاغلب لا نبحث عنه الا انه يسقط مباشرة في الفخ حينما يجده دون إنذار ولا تمويه ولا مناورة، نتفاجأ به في الفخ في تصالح تام مع فكرة الموت حين يلقي بذاته في الفخ إيماناً منه بحتمية المصير ولا يحدث أي قلق بل ولا أي انتباه لدينا نحن المراقبين المتأهبين، يتقدم مباشرةً ليأكل الدودة فيحتويه الفخ ويسقط صريعاً، ذهنية متصالحة مع الموت فقد عاش بلا قلق حتى في لحظاته الاخيرة، كم كان عدم تصالح المدّقي مع فكرة الموت مصدر قلق وحيرة لديه وفي النهاية مصير لا يستطيع الافلات منه، وكم كان تصالح "البَصوّه" مع فكرة الموت جعلت من لحظاتها الاخيرة مبعث اطمئنان وثقة. اتعظ أيها الإنسان وتصالح مع مصيرك المنتظر ولا تعش القلق قبل أوانه ولا تستحث القدر قبل وقته، فإن قدر الله إذا نزل نزل معه لطف الله وهو مسحة رحمانية تزيل عنك شقاء العمر وأتعاب الحياة. [email protected]