11 سبتمبر 2025
تسجيلالعلاقة بين المسؤول والموظف أو الرئيس والمرؤوس، هي علاقة يجب أولاً وأخيراً أن تقوم على أساس الاحترام المتبادل بين جميع الأطراف، والتعاون والتكاتف من أجل تحقيق المصلحة العامة لجهة العمل، فليس هناك من هو أفضل من الآخر في هذه المعادلة، فجميعهم يعملون مقابل أجر لتحقيق أهداف منظومة العمل، وجميعهم عليهم مسؤوليات وواجبات يؤدونها، ولهم في المقابل حقوق يستحقونها، ويمكن تقسيم حقوق العاملين بشكل عام إلى حقوق مادية وأخرى معنوية، فالمادية هي تلك الحقوق التي تتعلق بالراتب والعلاوة والدرجة الوظيفية والامتيازات الأخرى التي من شأنها أن تصب في الجانب المادي كحق من حقوق الموظف، أما الحقوق المعنوية وهي الجانب الأهم من وجهة نظري، فهي الدافع والمحرك لأداء الأعمال بأريحية وإخلاص وكفاءة أفضل لزيادة الإنتاجية المؤسسية. إذاً هناك عقد مشابه للعقد الاجتماعي يحكم العلاقة بين الموظف والمسؤول وينظم الأعمال ويحدد الصلاحيات ويرسم الخطوط الرئيسية لآليات تنفيذ إستراتيجيات الأعمال في إطار منظومة ما، سواء كانت هذه المنظومة في القطاع العام أو الخاص أو شبه الحكومي. ولكن للأسف هناك بعض المسؤولين لديهم صعوبة في فهم هذا الأمر واستيعابه، فيصيبهم الغرور والكبر بسبب المكتب الكبير والكرسي الوثير، فيعتقد بأنه العالم العلامة والفهم الفهامة فريد عصره وأوانه وعالم زمانه والعبقري الجهبذ الذي خُلق ليصحح الأمور ويحقق النجاحات، وفي غمرة تعاليه وغروره تجده يهمش أو يتجاهل الاستفادة من آراء وخبرات الكثير من الموظفين الذين يعملون تحت أمرته، وخصوصا أولئك الذين لم يوفقوا في الحصول على شهادات جامعية أو درجات علمية بالرغم من أن أكثر هؤلاء تراكمت لديهم حصيلة هائلة من الخبرات والمعارف في مجال عملهم، التي اكتسبوها خلال سنوات خدمتهم الطويلة، فيصبح هؤلاء الأكفاء مجرد أسماء موجودة في سجلات الكوادر الوظيفية يتقاضون رواتب دون الاستفادة المثلى من خبراتهم وجهودهم، موظفون موقوفون عن العمل وهم على رأس عملهم، حكم عليهم بالموت البطيء وهم أحياء يرزقون، والخاسر الأكبر في هذه المأساة هو المجتمع الذي نعمل جميعاً لخدمته وتنميته وتطويره. لقد أعتقد السيد المسؤول أن بحصوله على درجة علمية مميزة واختياره دون غيره لمنصب إداري رفيع أصبح نموذجاً فريداً من البشر، ولم يدرك أنه مجرد عامل بالأجرة مقابل جهد يقوم به تحكمه قوانين وأنظمة وإجراءات تنظيمية لضمان سير الأعمال بناء على الأهداف المناطة بجهة عمله، وأن المنصب الذي هو فيه كان يشغله غيره وسوف يشغله آخرون من بعده، إن جهله بمدى قيمة أفكار وآراء وخبرات الموظفين الذين لم يسعدهم الحظ بإتمام دراساتهم الجامعية هو جهل لأبسط قواعد وإستراتيجيات الإدارة الفعالة والقيادة الناجحة والتي نجدها في قوله تعالى "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" (159 آل عمران)، وغفل بتهميشه لدورهم وتقليله لأهميتهم عن قول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه "بحسب امرئ من الشر أن يحقر المسلم" (صحيح مسلم). إنه ليس بغريب وجود أمثال هؤلاء المسؤولين، فهم متواجدون منذ الأزل، فقد قال فرعون لقومه "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (29 غافر)، كبراً واستخفافاً بهم، وإنه لمن المؤسف أنه حتى يومنا هذا لا توجد هناك أي آلية لكشف أمثال هؤلاء والتأكد من قدراتهم الإدارية والقيادية بل وحتى العقلية والنفسية، وقد يقول قائل إن النتائج هي الحكم والفيصل في نجاح أي مسؤول أو فشله، ولكني أعتقد أن تقييم المسؤول على أساس نجاحه في تحقيق الأهداف المؤسسية فقط هو جزء بسيط من التقييم العام لأدائه ويجب ألا يكون هو الأساس، فما قيمة تحقيق نجاحات مادية مقابل تحطيم كوادر بشرية. @drAliAlnaimi