14 سبتمبر 2025

تسجيل

الكويت تضمّد جراح العراق

14 فبراير 2018

حوالي 335 مليون دولار هي حصيلة التعهدات التي خرجت بها جلسة يوم الإثنين الماضي من مؤتمر المنظمات غير الحكومية لدعم الوضع الإنساني في العراق، وذلك لتنفيذ برامج إنسانية وتنموية في العراق، خصوصاً في المناطق التي ألحق بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أضراراً جسيمة ودمّر البنى التحتية بأسرها، (تعهدت مؤسسة التعليم فوق الجميع القطرية بتقدم 13.430 مليون دولار، ومؤسسة قطر الخيرية بتقديم 3 ملايين ريال)، فيما يبدو أنه توجّهٌ كويتي لدعم العراق، ولتضميد جراحه، بعد أن تمزّق هذا البلد على أسس عرقية ومذهبية بعد زوال نظام صدام حسين. ثم حلّ به تنظيم (داعش) وزادهُ غصةً على غصاته، وأوصى المشاركون في ختام المؤتمر بتنفيذ برامج في مجالات الصحة والإيواء والتعليم والتأهيل، وغيرها من البرامج الإنسانية التي يحتاجها العراق، كما شدد المشاركون على وضع آلية لمتابعة تنفيذ نتائج المؤتمر،  وكان رئيس الهيئة الإسلامية الخيرية العالمية والمستشار الخاص للأمين العام للأمم المتحدة د. عبدالله المعتوق قد أكد وجود آلية واضحة تضمن وصول التبرعات لمستحقيها في العراق، ولفت النظر إلى أن المؤتمر سيتّبع نفس آلية الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، تجنباً لأية شبهات في إيصال التبرعات لمستحقيها.  وكان هذا الموضوع مثار نقاش كبير في بعض (الديوانيات) الكويتية التي حضرتها، حيث أكد بعض روادها على ألا تكون التبرعات في شكل أموال نقدية يتسلمها طرف حكومي في العراق، وهو أمر مشروع في هذه المرحلة.  وتساءل بعضهم: ماهي الشركات التي سوف تتولى عمليات الإعمار ومن يمتلكها؟ وكان مسؤول عراقي (المدير العام في وزارة التخطيط العراقية (قصي عبدالفتاح) قد قدّر تكاليف إعادة إعمار العراق وتحقيق الانتعاش فيه بحوالي 88 مليار دولار، وهو رقم مازال بعيداً عن الرقم الذي تحقق في جلسة منظمات المجتمع المدني، والأمل أن يتم رفع هذا الرقم في الجلسات المقبلة التي ستُعقد يوم الثلاثاء (أمس)، لأن تبرعات الدول بلاشك ستكون أعلى من تبرعات منظمات المجتمع المدني. وكان سمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح قد أكد "ضرورة تفويت الفرصة على مثيري الفتن والتصدي لها بجميع الوسائل" وتمنى أن يعم الأمن والسلام والاستقرار على العراق الشقيق وعلى المنطقة، وذلك خلال استقباله لوفد الصحفيين العراقيين يوم الإثنين الماضي.  ولقد أشاد مسؤولون عراقيون ودوليون بدور دولة الكويت في دعم إعمار العراق، معتبرين أن دولة الكويت أصبحت منصة لدعم العمل الإنساني. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشراكة مع الشرق الأوسط ووسط آسيا (رشيد خاليكوف): إن عقد هذا المؤتمر دليل على القيادة الإنسانية لسمو أمير دولة الكويت، ويعكس دور الكويت البارز في توفير المساعدات الإنسانية، انطلاقًا من مبادئ الإسلام النبيلة. وكان متحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي (حيدر العبادي) قد اعتبر مؤتمر الكويت لإعادة إعمار العراق فرصة لتأكيد التزام المجتمع الدولي تجاه دعم العراق، وأن هذا المؤتمر فرصة أساسية لهذا الالتزام، بعد أن تحقق النصر على الإرهاب، ولتفعيل الشراكة الدولية مع العراق. وكانت الجلسة الثانية والثالثة من أعمال مؤتمر منظمات المجتمع المدني قد شهدتا عرض أفلام وتعليقات لحالات الدمار الفيزيائي والدمار النفسي الذي لحق بفئات كبيرة من الشعب العراقي ممن وقعت مناطقهم في يد (داعش)، الأمر الذي يستلزم جهوداً جبارةً لإعادة تأهيل الحجر والبشر. ولقد رُويت حالات لمشاهد عنف وقتل وإهانة للإنسانية لحقت بالأطفال والنساء، بل إن أحدهم روى أن الأطفال العراقيين يحتاجون لتأهيل نفسي متخصص، بعد أن شوهد حالة إعدام عراقي وهو ممسك بيد طفله الصغير! ناهيك عن حالات اغتصاب النساء أو بيعهن في الأسواق ( كما تم ذلك مع الطائفة الإيزيدية العراقية). واعتبر خبراء أوروبيون أن دعم العمل الإنساني لن يقتصر على إعادة البناء وإعمار المناطق المتضررة من الحرب على الإرهاب، وإنما يمتد لمساعدة النازحين الذين يُقدر عددهم بحوالي أربعة ملايين نازح، وتوفير الملجأ والتعليم والتطبيب لهم. وكانت قد انطلقت مساء أمس (الثلاثاء) جلسات الاجتماع الوزاري للتحالف الدولي ضد تنظيم (داعش) بحضور 74 عضواً من الدول والمنظمات الدولية في إطار مؤتمر الكويت الدولي لإعادة إعمار العراق، ويشارك في هذا المؤتمر وزير الخارجية الأمريكي (ريكس تيلرسون)؛ الذي سوف يعقد مؤتمراً صحفياً بعد الجلسة الأولى للمؤتمر. وكانت المُمثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي (فيديريكا موغريني) قد أكدت وقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب دولة الكويت لإنجاح المؤتمر، مشيدة بدور أمير دولة الكويت ورئاسته للمؤتمر. وأكدت وقوف الاتحاد الأوروبي مع دولة الكويت لدعم العراق، كما أشارت إلى أن هزيمة ( داعش) تعتبر نقطة تحوّل في تاريخ العراق، ويمكن أن تُعطي الأمل للمنطقة بأكملها، واعتبرت أن دولة الكويت تمثل "قوة الحوار والاعتدال في المنطقة". وكان معالي الشيخ صباح الخالد الصباح نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الكويتي قد أكد لدى افتتاحه المركز الإعلامي المصاحب للمؤتمر أن مؤتمري الأمس يمثلان رسالة بشأن التزام المجتمع الدولي باستقرار العراق، ومواصلة الجهود الدولية للحفاظ على أمن المنطقة من خلال مواجهة تنظيم (داعش)، وأن المؤتمرَين جاءا ترجمة لتوجيهات سمو أمير دولة الكويت بالعمل على دعم العراق. كما أثنى (الخالد) على جهود الحكومة العراقية بانتصاراتها على (داعش) الإرهابي وتحرير أراضي العراق منه. ولاحظ مراقبون ممن حضروا المؤتمر الصحفي لـ (الخالد) أن الخطاب الكويتي تجاه العراق يتّسم بالدفء والمودة، كما أن المسؤولين والإعلاميين العراقيين أبدوا – خلال كلماتهم – ودّاً واضحاً وكبيراً تجاه إخوانهم الكويتيين، وقد خص أمير دولة الكويت الصحفيين العراقيين – دون غيرهم – بلقاء خاص. وبانتظار عقد جلسات اليوم، والبيان الختامي المرتقب، فإن أسئلة مشروعة تدور في أذهان العديد من المراقبين، فهل خرج العراق من أزمته "الدهرية" المتمثلة في الانشطار العرقي والمذهبي؟ وهل يوجد ضمانٌ بعد ظهور تيارات ومنظمات إرهابية مثل (داعش)؟ بل ومن أظهر (داعش) للوجود بعد القضاء على (القاعدة)؟ وهل سيتم إعمار كل مناطق العراق، بغض النظر عن غالبية سكان مناطقه؟ حيث أشارت صحفية كردية – خلال المؤتمر الصحفي لوزير الخارجية الكويتي – إلى أن الاهتمام بالمناطق الكردية ضعيف ومعدوم مقارنة بالمناطق الأخرى، وأن المناطق الكردية هي الأكثر تضرراً من (داعش)، مثل نينوى، جلولاء، تلعفر، ودهوك.. وغيرها، التي جرت فيها عمليات تعذيب واغتصاب رهيبة، وأن أهلها يحتاجون لتأهيل سريع. ناهيك عن أن الآلة الإعلامية لـ (داعش) قد مسحت عقول الأطفال وغيّرت المناهج كي تتواءم مع الأفكار الداعشة، وأبرز مثال أورده أحد المتحدثين، أنه حتى في العمليات الحسابية يتم استخدام فكرة العنف مثل (رصاصة + رصاصة = ؟؟) ناهيك عن وعود الشباب الغضّ بحوريات الجنة، وأن هذه الحياة لا تستحق العيش.. إلخ. الأمل معقود على الآلية التي سيتم تطبيقها في توزيع المساعدات ومشاريع الإعمار، وبما يضمن إخراج العراق من أزمته.