17 سبتمبر 2025
تسجيلما يحدث في دول الربيع العربي أمر جد محير ودائما ما يثير لدينا العديد من التساؤلات، لماذا هذا القتل والسحل للمواطنين؟ وهل ما يحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن هي الفوضى بعينها وليست ثورات اندلعت من أجل الحرية والكرامة الإنسانية؟ والغريب في الأمر أن جميع الثورات - ما عدا الثورة في ليبيا - كانت سلمية، من تونس مهد ثورة الياسمين إلى اليمن التي استطاعت من خلال المفاوضات الوصول إلى حل مُرضٍ، وبعد مرور عامين على الثورات العربية استطاعت هذه الدول إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية من المفترض أنها ستقود تلك الدول إلى حالة من الاستقرار المنشود. إلا أن حادثة اغتيال شكري بلعيد في تونس قلبت معايير المنطق رأسا على عقب وشكلت صدمة للجميع في العالم العربي، وكان فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قد استنكر اغتيال المعارض التونسي شكري بلعيد، وأن الاغتيال السياسي أسلوب مرفوض، حيث من حق المعارض أن يبدي رأيه بكل حرية، وطالب فضيلته الحكومة التونسية بالعمل على كشف الجناة وتقديمهم للعدالة، مشددا على حرمة دماء المسلمين سواء كانوا مؤيدين أم معارضين. والغريب أيضا أن تأتينا أخبار الربيع العربي بفتوى أصدرها البعض بمصر بإباحة وإهدار دم عدد من قادة جبهة الإنقاذ المعارضة، والمثير للاستغراب أيضا هو أن تصدر هذه التصرفات من قبل بعض الجماعات الإسلامية المتشددة التي كانت في الماضي تواجه أنظمة دكتاتورية، وكانوا مغيبين في السجون طوال العقود الماضية بسبب ظلم الأنظمة وقهرها، وبعد أن أصبح للإسلاميين حضورهم في دول الربيع العربي الذي أتاح لهم السيطرة على حكومات تلك الدول، حتى استغل البعض منهم منابر المساجد والفضائيات لتكفير من يعارضهم من المثقفين والفنانين والإعلاميين والشباب وقيادات الأحزاب السياسية. كل من الحكومة وقيادة الداخلية اليوم في يد المعارضة الإسلامية التي كانت مرفوضة في زمن الأنظمة المستبدة، مما يعني أن قضية الأمن والاستقرار هي واجبهم، فلا يحق لهم سحل المواطنين وتعريتهم وتعذيبهم بنفس الأدوات التي كانت تستخدم في الماضي، لمجرد خروج هؤلاء المواطنين المستضعفين للاحتجاج، ودون أن نسمع من بعض القادة الجدد كلمة لوم أو إدانة، وفي ذات الوقت يُسمح للمتشددين منهم بإصدار مبررات للقتل والسحل، متناسين مبادئ الدين الحنيف والرسالة المحمدية الخالدة، وأن الإسلام هو دين التراحم والتلاحم، يقول تعالى في سورة النساء: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيما" صدق الله العظيم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق" (رواه ابن ماجة). إن ما يحدث اليوم من انفلات وفوضى في دول الربيع العربي يعد انتكاسة للمبادئ التي انطلق من أجلها الربيع العربي، وسوف ينشر مناخا غير صحي تسوده الكراهية في المجتمع الواحد ويمزق النسيج الوطني. وعلى علماء المسلمين والأزهر الشريف استنكار ما يحدث بصورة مباشرة وواضحة، كما عليهم نشر ثقافة الشراكة الوطنية في المجتمع من أجل الوصول إلى وفاق وطني ديمقراطي وتلاحم بين جميع فئات المجتمع، فلا يعقل أن ندندن في الماضي بأنغام العدالة والحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، ثم نأتي اليوم بسبب انتشار الصراع الفكري والقتل والسحل، نتغنى بتلك الأيام والسنوات الخوالي بحثا عن حالة من الأمن والاستقرار.