19 سبتمبر 2025

تسجيل

مجتمع هوية لا مجتمع حرية

14 يناير 2019

نحن مجتمع هوية ولسنا مجتمع حرية، هذه النقطة ليست واضحة في الاذهان، بل وعملنا على تكريسها يوماً بعد آخر على المستوى الشخصي وعلى المستوى الرسمي، ما نمارسه هو "الهوية" وليس الحرية. يعتقد الكثير اننا أحرار ولكن في الحقيقة نحن نعيش في سجن الهوية، كل نشاطاتنا واعمالنا تقوم على الهوية وليس الحرية، حتى ديمقراطيتنا هوية وليست حرية، المجتمع الهوياتي يدمج الهوية داخل الفرد فيصبح الفرد هوية صلبة، وبالتالي منتج هوياتي ويصبح تبعاً لذلك أداة لاستخدام الهوية ذاتها، هي التي تستخدمه لا هو الذي يتحكم فيها. انظر في كل مكان من حولك ستجد الهوية حاضرة ليست كثقافة وإنما كقيامة، هذا التصاعد الهوياتي لا يترك مجالاً للحرية بل ويتقمص رداء الحرية وهو في الضد منها تماماً، تاريخنا تاريخ هوية لا تاريخ حرية هل هناك من ينكر ذلك؟ تعليمنا تعليم هوية يعطيك التاريخ منذ ولادتك حتى وفاتك، تنطلق من بيتك تحمل في وعيك قبيلتك وطائفتك وليس وطنك. الآخرون أغيار، تصل عملك أو مدرستك أو أي مكان آخر يجري الفرز في المعاملة كل هذا داخل وعيك وتمارسه من منطلق حريتك وهو في الاساس منطلق من هويتك، كان مجتمعنا أكثر حرية في السابق عنه اليوم مع الاسف في المدرسة، في الفريج، في السوق، كنا نمارس حريتنا أكثر وبدرجة أقل كثيراً هويتنا، ننطلق اساساً من أننا مجتمع مسلم وهذا أول مظهر هوياتي، ثم من أننا مجتمع قبلي وهذا ثاني مظهر هوياتي، ثم من اننا نمتلك حقيقة الماضي وننطلق بها من الحاضر الى المستقبل وهذا ثالث مظهر هوياتي. أين إنسان الإرادة الحرة؟ دمجنا الحرية في الهوية منذ الصغر فأصبحت الوراثة حرية وهي في الأساس هوية، أين المختلف سواء دينياً أو اجتماعياً أو لوناً أو...؟ أين المرأة؟ أين حرية نقد الماضي وشخوصه؟ أين المراجعة لما تلقيناه قبل الوعي؟ أين أين.... كل هذه "الأين نات" التي تقع في نطاق الحرية مفقودة، ونعتقد أن الحرية فقط فيما نمارسه من هوية. ولتخفيف غلواء ذلك قد يسمح بممارسة جزء من الحرية كحرية التصرف داخل نطاق الهوية الجاهزة سواء الدينية أو الاجتماعية، لذلك لا نعجب حينما نرى وسائل الاتصال الاجتماعي تموج بالغث من المديح والاطراء وفي الجانب الآخر مزيج من القذف وسوء اللفظ والابتذال كلا الطرفين نتاج لممارسة الهوية على حساب الحرية المغيبة، التي غيبتها الهوية بل طمست أبعادها بحيث أصبحت هي الحرية، إن عدم الفاعلية في تسيير أمورنا وفي استشراف مستقبلنا ليس سوى استطراد لمجال الهوية المتشكلة سابقاً، حتى التعليم الخارجي وكثافة البعثات التي أرسلت في العقود السابقة عادت تمارس الهوية وتلتحق بها على حساب الحرية. أنا أصدق حينما يقول قائل ماذا نريد بعد كل شيء متوفر ولله الحمد؟ هنا يمكن تلمس البعد الهوياتي والنرجسي، لا نريد شيئاً نحن نملك كل شيء، لا نريد بعد هذا سوى حسن الخاتمة والذهاب الى الجنة. كما أضاف آخر، إذا كانت الهوية قد أثرت مجتمعنا في السابق، فإنها اليوم تحتضر ما لم تتحول الى حرية تحفظ المكتسبات وتصون المجتمع وتبني الانسان، الحرية لا تعني الفوضى بل إنه ليس هناك حرية خارج الدولة بشرط أن تكون الدولة مجالاً للحرية لا للهوية فالحرية تعني الانسان كأصالة لا كالتحاق بماض لم يختره ولا بمصير لم يحدده ولا بمستقبل لا يرى فيه تحققاً لما يصبو إليه. [email protected]