28 أكتوبر 2025

تسجيل

فاتورة أجور القطاع العام الخليجي

14 يناير 2018

التركيز على سياسات التوظيف في إطار برامج الإصلاح الاقتصادي التي تنفذها دول مجلس التعاون، برزت بشكل خاص أهمية إصلاح السياسة المالية وذلك لعدة أسباب. أولا الدور المحوري الذي تلعبه الميزانيات المالية الخليجية في التنمية. وثانيا الانكشاف الحساس لهذه الميزانيات على تقلبات أسعار النفط. وثالثا الاختلالات الهيكلية الموجودة في هذه الميزانيات ليس نتيجة اعتمادها شبه الكلي على الإيرادات النفطية في جانب الإيرادات، بل هيمنة أنماط من الانفاق من الصعب تكييفها مع الانخفاض في جانب الإيرادات مما ينجم عنه عجز كبير في هذه الميزانيات. وقد تركزت الإصلاحات المالية في جانب الإنفاق على فاتورة الأجور في القطاع العام. فهذه الفاتورة تمثل أكثر من نصف الإنفاق كما تشكل نحو 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الخليجي مقارنة بمتوسط 6 في المائة في الاقتصادات الصاعدة والنامية ككل، حيث لا يزال القطاع العام في بعض دول التعاون يعتبر المشغل الأول للمواطنين لكون الحكومات هي من تملك الموارد المالية، وهي تدير غالبية الأنشطة الاقتصادية. وبدورهم، يفضل المواطنون العمل في القطاع العام نتيجة امتيازات الرواتب والعلاوات الأخرى وساعات العمل والاستقرار الوظيفي. وترى بعض الدراسات أن تضييق الفوارق بين أجور القطاعين العام والخاص سوف يساعد على استيعاب 27 مليون شاب من المتوقع دخولهم سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة، علما بأن كثيرا من الشباب المؤهلين يفضلون البقاء دون عمل لفترات طويلة في انتظار توافر وظائف مجزية في القطاع العام. وقد أوضحت تجربة بعض البلدان بالفعل أنه يمكن استخدام الوفورات التي تحققها مثل هذه الإجراءات لزيادة الاستثمار والإنفاق على الخدمات الاجتماعية الضرورية. وتنطلق الإصلاحات المالية التي تركز على تقليص فاتورة أجور القطاع العام من حقيقة أنه بالرغم من تراجع أسعار النفط خلال السنوات الماضية، فان فاتورة الأجور والرواتب لم تتراجع مما يثبت استمرار الحكومات الخليجية في لعب دور الموظِف الأكبر. وترى دراسة حديثة لصندوق النقد الدولي أن فواتير أجور القطاع العام في بعض الدول الخليجية تعتبر كبيرة للغاية إذا ما قورنت بإيراداتها ونفقاتها الذاتية، وكذلك بالمقارنة مع نظرائها على المستوى العالمي. وقد يكون ذلك راجعا لمستويات التوظيف العالية في القطاع العام، أو للمكافآت الضخمة غير العادية، أو في بعض الأحيان لكلا الأمرين. لذلك يمكن لإصلاحات فاتورة أجور القطاع العام أن تدعم جهود هذه البلدان لتنمية قطاعاتها الخاصة وخلق الوظائف — فهي في نهاية المطاف، مصدر التوظيف الأقدر على الاستمرار لاستيعاب ملايين الخريجين الجدد الداخلين إلى أسواق العمل. ورغم أن إجراءات تجميد أو تخفيض التعيين والأجور في القطاع العام قد تكون مفيدة في الأجل القصير، فإنها قد تؤثر على تقديم الخدمات العامة ويتعذر استمرارها، كما أنها ليست بديلا للإصلاحات الهيكلية لسياسات التوظيف والتعويضات. لذلك تقترح الدراسة بعض الخيارات لهذه الإصلاحات يأتي في مقدمتها ضرورة تركيز سياسات التوظيف في القطاع العام الخليجي على توفير الخدمات العامة عالية الجودة على نحو يتسم بالفعالية والتكافؤ، عن طريق الاضطلاع بمراجعة النفقات القطاعية وتعزيز آليات تقديم الخدمات العامة. كما يتوجب تعزيز المؤسسات والبيانات، بما في ذلك إدارة الموارد البشرية والسيطرة على العلاوات والبدلات، وربط التعويضات بالأداء.