11 سبتمبر 2025

تسجيل

كن قائداً لا مديراً (9) (صفات القائد - التواضع)

13 ديسمبر 2020

نتابع سلسلة مقالات صفات القائد الناجح ونصل إلى الصفة الرابعة وهي صفة عظيمة ولعلها تكون من أسمى الفضائل وأنبل الصفات والأخلاق ألا وهي التواضع، وقبل البدء أريد أن أوضح أمرا مهما، وهو أنني لست عالماً شرعياً أو فقيهاً أصولياً، ولم أبلغ حتى منزلة طالب العلم الديني، فكل كتاباتي المتعلقة بتفسير الآيات القرآنية أو السنة النبوية؛ إنما هي اجتهادات أقوم بها من خلال البحث في تراثنا الإسلامي القيم على قدر علمي ودرايتي، وما زاد على ذلك لو خرج عن إطار ما بحثه أو فسره أو تناوله علماؤنا الأفاضل وأئمتنا الإجلاء، إنما هي تأملات وخواطر مني فإن أحسنت فمن الله، وإن أسأت أو أخطأت فمن نفسي والشيطان وأرجو من الله التوفيق والسداد. ولقد وقفت طويلاً خلال إعدادي لهذا المقال أمام آية كريمة طالما قرأتها طوال حياتي في كتاب الله، ولكني لم استشعر بعظمتها إلا عندما بدأت ابحث في موضوع صفات القادة، وأحاول الربط بين ديننا الحنيف وتعاليمه وأوامره وبين ما يدور في فلك حياتنا، وكلما بحثت اكتشفت عظمة كتاب الله ومدى جهلنا للأسف بما فيه من درر نفيسة، يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159). إن في الآية إشارة واضحة لأثر التواضع على البشر من خلال لين الجانب وحسن الحديث والتواضع وحسن الخلق والمعاملة، فيكون نتاج ذلك كله الالتفاف حول القائد ومحبته والإيمان بأهدافه ومبادئه. ولعلي استشعر في هذه الآية القرآنية العظيمة إرشادات عامة للقيادة الناجحة والمؤثرة، فنرى فيها حث القائد على انتهاج أسلوب قيادي يضمن له ولاء الاتباع والتفافهم حولهم، فيصبحون كتلة واحدة متكاتفة تسعى لتحقيق هدف مشترك، وإن أردنا أن نستخرج أهم الإرشادات التي دلت عليها الآية الكريمة للقائد فنجد أنها تدور حول أربع صفات أخلاقية وثلاثة أساليب قيادية، أما الصفات فهي: الرحمة والتواضع والحلم والعفو، وأما الأساليب فهي: الشورى واتخاذ القرار والتنفيذ بعد التوكل على الله عز وجل. وبما أننا سوف نتحدث عن صفة التواضع فسوف نتناول باقي المحاور مستقبلاً بإذن الله. إن أجمل إحساس يشعر به الموظف أو المرؤوس هو إحساسه بالتقدير والكرامة والاحترام والمساواة، والقائد المتواضع سينجح ببث هذه الأحاسيس في بيئة العمل بدون عناء أو جهد، فيكون نتاج ذلك كفاءة أكبر وإنتاجية أعلى وتأثيرا نفسيا ومعنويا إيجابيا في محيط بيئة عمل سليمة. وقد سئل عابد الحرمين الإمام الفضيل بن عياض عن التَّواضُع فقال (يخضع للحقِّ، وينقاد له، ويقبله ممَّن قاله، ولعل من أهم ثمار التواضع كسب محبة العاملين وتقديرهم وانصياعهم وامتثالهم للأوامر، فالمتواضع يكون قريباً من النفس يسهل الحديث معه ويسهل الاقتراب منه، فهو يتقبل النصيحة والنقد فيشجع بذلك المرؤوسين على تقديم أفضل ما لديهم من جهد وخبرات ومعارف لتحقيق الأهداف المنشودة. بالإضافة إلى ذلك فإن التحلي بالتواضع والشجاعة في الاعتراف بالأخطاء وتقبل التوجيه والنقد يجعل المرؤوسين أكثر استعدادا للإقرار بأخطائهم وزلاتهم في العمل فتنشأ بيئة عمل ذات شفافية ومصداقية أكبر. قال شيخ الإسلام القاضي عياض في قوله صلى الله عليه وسلم "وما تواضع أحد لله إلَّا رفعه الله" (فيه وجهان أحدهما: أنَّ الله تعالى يمنحه ذلك في الدُّنْيا جزاءً على تواضعه له، وأنَّ تواضعه يُثْبِتُ له في القلوب محبَّةً ومكانةً وعزَّةً والثَّاني: أن يكون ذلك ثوابه في الآخرة على تواضعه). @drAliAlnaimi