12 سبتمبر 2025
تسجيلتسارعت وتيرة الأحداث السياسية في الآونة الأخيرة وتلاحقت خطاها بشكل ملحوظ، فبعد عامين من الربيع العربي وسيطرة الإسلاميين على حكومات دول الربيع العربي، وأحداث سوريا الدامية وخروج خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس من دمشق وفك الارتباط الإيراني الحمساوي، وزيارة حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى قطاع غزة المحاصرة - والتي كانت خطوة مهمة نحو كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منذ عدة سنوات - والتوصل إلى اتفاق الهدنة بين الإسرائيليين وحركة حماس بعد مرور أكثر من أسبوع من القتال، تحت إشراف مصر التي ترأست المباحثات بين الطرفين ونتجت على ضوئها توقيع الهدنة بينهما، واعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بفلسطين بصفة دولة غير عضو بأغلبية ساحقة، جاءت زيارة خالد مشعل إلى غزة لتفتح صفحة جديدة في العلاقات الإسرائيلية العربية والعلاقات الإسرائيلية الفلسطينية ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط.ومع إحياء الذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، وبعد سبعة وثلاثين عاماً، زار خالد مشعل قطاع غزة، حيث كان المشهد عاطفياً بين بكاء وسجود وفرحة وانتصار، امتزجت فيه دموع الفرح بتراب غزة، وكان في استقباله الآلاف من جميع الأحزاب والقوى السياسية الفلسطينية، في زيارته الأولى لهذه البقعة الغالية من أرض فلسطين منذ عشرات السنين من الفراق بعدما كان قد غادر الضفة الغربية وهو فتى.ووصف مشعل الزيارة بأنها "ولادة ثالثة"، بعد مولده الفعلي عام 1956، ونجاته من محاولة اغتيال في الأردن والتي كان وراءها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاولة فاشلة بأحد شوارع العاصمة الأردنية عمان.لقد كشف خالد مشعل عن مرحلة جديدة لحركة حماس تبدو أقرب إلى العملية السياسية، ليس فقط لتوحيد جميع الأطياف الفلسطينية ولكن لتغيير إستراتيجية التعامل مع الجانب الإسرائيلي، وهي فرصة لكي يكشف عن تطورات سياسية في رؤية حماس للمرحلة القادمة، ولعل الحديث عن قبول حماس بدولة على حدود 1967 لهو دليل على التوجه نحو تطوير العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بما أنها قابلة للاعتراف بإسرائيل. فلقد اعتبر خالد مشعل أن "المقاومة وسيلة وليست غاية" و"إذا وجد العالم طريقا ليس فيه مقاومة ودم يعيد لنا فلسطين والقدس وحق العودة وينهي الاحتلال الصهيوني البغيض فأهلاً وسهلاً".وفي هذا السياق؛ قال معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية في اجتماع اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية الذي عقد في الدوحة هذا الأسبوع: "إن من أبرز التطورات والمتغيرات في منطقتنا هذه الثورات الشعبية التي اجتاحت عالمنا العربي وهي في بعدها تتطلع إلى سلام حقيقي تصنعه الشعوب وليس سلاما وهميا تفرضه الحكومات، وهذه حقيقة نرجو أن تدركها إسرائيل وأن تعي مضامينها واستحقاقاتها". وأيضاً قال معاليه: "إسرائيل، إن لم تستوعب المتغيرات الإقليمية والدولية وتنحاز بصدق إلى السلام، فإن القوة لن تحقق لها الأمن، وأن السلام وحده كفيل بضمان أمنها ومستقبلها".وبعد انطلاق الثورات العربية ومغادرة مشعل لسوريا، أصبحت إسرائيل تنظر للرجل بشكل مختلف بعض الشيء، ويقول المحللون أنه رغم ذلك فقد يكون مشعل هو الرجل القادر على فتح حوار بين حماس وإسرائيل، حيث كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية هذا الأسبوع عن أن حكومة بنيامين نتنياهو قررت اتخاذ إجراءات جذرية لتخفيف الحصار عن قطاع غزة، في تغير دراماتيكي لسياستها تجاه حركة حماس.وقال المحلل العسكري للصحيفة "أليكس فيشمان" في مقال افتتاحي: "إن نتنياهو قرر تغيير سياسة حكومته من إسقاط حكومة حماس إلى تخفيف إجراءات الحصار بصورة فاعلة، أملا في دفع حماس إلى أحضان ما وصفه بـ (المعسكر السني) الأكثر اعتدالاً في المنطقة.وقال "شلومو بروم" كبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومي، وهو معهد أبحاث مستقل في تل أبيب: "يلعب خالد مشعل حاليا دورا أكثر إيجابية من وجهة نظر إسرائيل، وبوجه عام، فإن حماس منقسمة إلى فصيلين، فصيل غزة والفصيل الخارجي، وهناك نقاش بين الاثنين على عدة مستويات، وفصيل مشعل الخارجي أكثر اعتدالا بكثير، وهذا سبب أهميته لإسرائيل".وحيث يعتبر الكثير من السياسيين في إسرائيل أن خالد مشعل تبنى في السنوات الماضية موقفا يقوم على تأييد فكرة إبرام هدنة طويلة في مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب عام 1967، (الأرض مقابل السلام)، وأن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية سوف تتغير إذا استطاع خالد مشعل تغيير سياسة حماس والدخول في حوار جاد مع الجانب الإسرائيلي، إما مباشرةً أو عن طريق وسيط.ويقول "عوزي رابي" مدير مركز موشي ديان لدراسات الشرق الأوسط: "رسميا نقول إننا لا نتعامل معهم (أي حماس)، لكن الأمور تتغير أمام أعيننا، إذا ما كان خالد مشعل قادرا على إنفاذ كلمته فسوف يتباحث معه أحد من هنا حتى لو سراً".وكان لدى بعض القادة الإسرائيليين وجهة نظر مختلفة في حرب غزة الأخيرة التي استمرت أكثر من أسبوع وانتهت بهدنة ووقف لإطلاق النار، خاصة بعد تطهير قيادات حماس وتدمير مراكز قوتها وشن سلسلة من الهجمات الجوية وابتعاد حماس عن المظلة الإيرانية، ودفعها إلى اتجاه المعسكر السني (مصر وقطر)، وهنا يلعب خالد مشعل الدور الرئيسي في هذا التغير الإقليمي.عندما تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ما قاله خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بأن الحركة تقبل بالدولة الفلسطينية على حدود 1967 استغرب البعض من هذا التغير المفاجئ الذي طرأ على النهج الاستراتيجي والأسلوب التكتيكي لدى حماس، ولكن لا بد أن تلعب مصر دور الوسيط تحت حكومة الدكتور مرسي للوصول إلى تحقيق أهداف حماس وحتماً ستضمن لإسرائيل أن تحقق أهدافها من جهة. حيث يرى الكثيرون أن استكمال مشروع حكم الإخوان المسلمين وسيطرتهم على حكومات دول الربيع العربي لتشمل فلسطين، وربما في المستقبل الأردن وسوريا، سوف تجعل المحادثات أكثر جدية، ولا يمكن حدوث هذا إلا بمباركة إسرائيلية أمريكية. وهنا لا بد لحماس أن تمتلك جميع أوراق اللعبة عسكريا وسياسياً، ولعل الإسرائيليين أبلغوا السيد محمود عباس بأن هناك سياسة جديدة في المنطقة، وأن إسرائيل يمكنها أن تجلس وتتحاور مع حماس.ومؤخراً أعلن خالد مشعل أنه لن يترشح لرئاسة المكتب السياسي، في خطوة ربما تمهيدا لتهيئة نفسه كبديل لمحمود عباس في قيادة المرحلة القادمة، حيث بدا من الواضح أن الحركة ستسير قدما نحو المصالحة، لذا فإن حماس ترى أن عليها أن تتهيأ لقيادة مركز القرار الفلسطيني، من أجل وضع نهاية لعقود من الصراع في الشرق الأوسط، هذا إن أحسنت قيادة حركة حماس معالجة قضاياها الداخلية والخارجية، وانتهجت نفس سياسة جماعة الإخوان المسلمين، لأن الشعوب العربية تتعاطف مع المنهج الإسلامي وتتقبل سياستهم، ومن جهة أخرى تتماشى مع أمريكا ومصالحها في المنطقة.يبدو أن الأيام القليلة القادمة سوف تكون حبلى بالكثير من المفاجآت، وستتكشف لنا الكثير من الحقائق، كما قال الشاعر طرفة بن العبد: ستبدي لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلا، ويأتيك بالأخبارِ من لم تُزوِّدِ.